فهنا ثلاث مقامات (١) :
[ المقام ] الأوّل : في أنّ الأصل في الأشياء الإباحة قبل ورود الشرع. وإليه ذهب المعظم (٢). وقيل بالتوقّف مطلقا (٣). وقيل به فيما احتمل الحرمة ولم يكن من الشبهة في طريق الحكم ، وفي غيره الحكم فيه الإباحة (٤). وقيل بوجوب الاحتياط (٥).
والأكثر على أنّ القائل بالاحتياط هو القائل بالتوقّف ؛ فإنّه يتوقّف في الفتوى والحكم ، ويحتاط في العمل. وليس القول به مذهبا على حدة ، ويأتي (٦) حقيقة الحال فيه.
وقيل بالحرمة ظاهرا (٧). وقيل به واقعا (٨). ومحلّ الخلاف الأفعال الاختياريّة. وأمّا الاضطراريّة : فالأصل فيها الإباحة وفاقا.
لنا : استفاضة الأخبار بإطلاق كلّ شيء حتّى يرد فيه نهي (٩) ، وبعدم المؤاخذة قبل البيان (١٠) ، وبأنّه لن يكلّف الله نفسا إلاّ ما آتاها (١١) ، وبعدم قيام الحجّة قبل المعرفة (١٢) ، وبعدم تعلّق التكليف بمن لا يعقل ، كالمجانين والصبيان وأمثالهما (١٣) ، وتعلّقه بهم يوم القيامة.
ولنا : قوله تعالى : ( خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً )(١٤) دلّ على إباحة جميع أفراد
__________________
(١) في « ب » : « مقالات ».
(٢) راجع : الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٣٢٥ ، والعدّة في أصول الفقه ٢ : ٧٤٢ ، والمستصفى : ٥١.
(٣) حكاه السيّد المرتضى في الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٣٢٤ ، والفخر الرازي إلى أبي الحسن الأشعري وأبي بكر الصيرفي وطائفة من الفقهاء في المحصول ١ : ١٥٩.
(٤) حكاه الآمدي عن المعتزلة في الإحكام في أصول الأحكام ١ : ١٣٠.
(٥) راجع : الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٣٢٥ و ٣٢٦ ، والعدّة في أصول الفقه ٢ : ٧٤١ و ٧٤٢ ، والمحصول ١ : ١٥٨ و ١٥٩ ، والإحكام في أصول الأحكام لابن حزم ١ : ٥٢ ، والإحكام في أصول الأحكام ١ : ١٣٠ ـ ١٣٣.
(٦) يأتي في ص ٣٩١.
(٧ و ٨) راجع : الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٣٢٥ و ٣٢٦ ، والعدّة في أصول الفقه ٢ : ٧٤١ و ٧٤٢ ، والمحصول ١ : ١٥٨ و ١٥٩ ، والإحكام في أصول الأحكام لابن حزم ١ : ٥٢.
(٧ و ٨) راجع : الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٣٢٥ و ٣٢٦ ، والعدّة في أصول الفقه ٢ : ٧٤١ و ٧٤٢ ، والمحصول ١ : ١٥٨ و ١٥٩ ، والإحكام في أصول الأحكام لابن حزم ١ : ٥٢.
(٩) الفقيه ١ : ٣١٧ ، ح ٩٣٧ ، ووسائل الشيعة ٦ : ٢٨٩ ، أبواب القنوت ، الباب ١٩ ، ح ٣.
(١٠) الكافي ١ : ١٦٤ ، باب حجج الله على خلقه ، ح ٤.
(١١) المصدر : ١٦٣ ، باب البيان والتعريف ولزوم الحجّة ، ح ٥.
(١٢) المصدر : ١٦٤ ، باب حجج الله على خلقه ، ح ٤.
(١٣) بحار الأنوار ٥ : ٣٠٣ ، ح ١٣.
(١٤) البقرة (٢) : ٢٩.