وأمّا شرعا ؛ فلما عرفت. ولو كانت الأشياء على الحصر وفرض ضدّان لا ثالث لهما ، لزم التكليف بالمحال.
إذا تقرّر ذلك فالفروع له كثيرة :
منها : إباحة شرب التتن.
ومنها : إذا وقعت واقعة ولم يوجد من يفتي فيها ، فعلى القاعدة يلزم الرجوع إلى ما يقتضيه أصل الإباحة ، والحكم بعدم التكليف ، وقس عليهما أمثالهما.
تتمّة
الشبهة على قسمين :
أحدهما : الشبهة في نفس الحكم الشرعي ، وهو ما اشتبه حكمه الشرعي ، أعني الإباحة والتحريم ، وعدّ منها ما لا نصّ فيه.
وثانيهما : الشبهة في طريقه ، وهو ما اشتبه فيه موضوع الحكم الشرعي ، كما في اشتباه اللحم بأنّه مذكّى أو ميتة مع العلم بأنّ المذكّى حلال والميتة حرام ، والاشتباه في صوت خاصّ بأنّه غناء أم لا مع القطع بأنّ الغناء حرام.
وتوقّف الأخباريّون في الأوّل ؛ محتجّين بأخبار التثليث (١) ، كما تقدّم (٢). ووافقوا الاصوليين في الثاني في أنّ الأصل فيه الإباحة ، محتجّين بعموم بعض الأدلّة المتقدّمة ، وباستفاضة الأخبار بحلّيّة كلّ شيء فيه الحلال والحرام حتّى يعرف الحرام بعينه (٣).
وغير خفيّ أنّ أخبار التثليث تدلّ على وجوب التوقّف في كلّ ما يصدق عليه الشبهة. ولا ريب في أنّها كما تصدق على ما اشتبه فيه نفس الحكم الشرعي تصدق على ما اشتبه فيه موضوعه أيضا ؛ لأنّه ليس لها حقيقة شرعيّة ، فيجب الرجوع إلى العرف واللغة وهما
__________________
(١) حكاه عنهم السيّد المرتضى في الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٣٢٥ ، والبصري في المعتمد ٢ : ٣٢١ ، والعلاّمة في تهذيب الوصول : ٥٥ ، والفاضل التوني في الوافية : ١٨٨. راجع الفوائد المدنيّة : ١٩٢ و ١٩٣.
(٢) تقدّم في ص ٣٨٩.
(٣) حكاهما عنهم السيّد المرتضى في الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٣٢٥ ، والبصري في المعتمد ٢ : ٣٢١ ، والعلاّمة في تهذيب الوصول : ٥٥ ، والفاضل التوني في الوافية : ١٨٨. راجع الفوائد المدنيّة : ١٩٢ و ١٩٣.