مركّبة ؛ لأنّها توقيفيّة ، ويعلم نفي ما شكّ في جزئيّته من النصّ الذي بيّن فيه أجزاؤها إذا لم يذكر فيه ، لا من الأصل (١).
وهو ظاهر الفساد ؛ لأنّ النصّ الذي لم يذكر فيه جزء نفيا ولا إثباتا ، كيف يدلّ على نفيه إذا شكّ في جزئيّته لإجمال دلالته عليه ، أو لأمر آخر بدون ضميمة الأصل؟!
ولو صحّ ذلك ، لتأتّى في غير العبادات أيضا إذا ورد في بيانه نصّ ، وكون العبادة توقيفيّة دون غيرها لا مدخليّة له في هذا الفرق ، مع أنّه غير ممكن ؛ فإنّ شروط العبادات والمعاملات وغيرهما تتوقّف على بيان الشارع ، فالحقّ عدم الفرق ، كما ذهب إليه المعظم (٢) ؛ لعموم الأدلّة ، وعدم نهوض ما ذكره فارقا.
فصل [٢]
ومن النوع الأوّل أيضا : استصحاب حال العقل ، وهو إبقاء الحالة السابقة ـ أي العدم الأزلي لكلّ شيء ، سواء كان تكليفا أو غيره ـ إلى أن يثبت المزيل.
والفرق بينه وبين أصل البراءة أنّه يلاحظ فيه العدم السابق ويجري إلى اللاحق ، وفي أصل البراءة يحكم بانتفاء الحكم في الحال ، سواء وجد في السابق أم لا ، ولا يلتفت فيه إلى السابق أصلا. وعدم الفرق بينهما ـ كما قيل (٣) ـ ضعيف.
ووجه حجّيّته استفاضة الأخبار بأنّ اليقين لا يزول بالشكّ (٤) ، وأنّ التكليف بالشيء من غير الإعلام به محال. وهذا إنّما ينتهض دليلا لأصالة نفي الحكم الشرعي وموضوعه ومتعلّقه كالنقل ، دون غيرها ممّا لا مدخليّة له بالحكم الشرعي أصلا ، كحدوث واقعة كذا في بلدة كذا ، فلا يمكن نفيها بالاستصحاب ؛ لعدم دليل على أصالة مثله. وعدم مقاومة الشكّ لليقين إنّما يثبت شرعا في الأحكام الشرعيّة ، ولا يدلّ عليه العقل في غيرها ؛ لأنّه إذا شكّ في وجود الشيء في زمان يقع الشكّ في عدمه فيه أيضا ، فلا يصحّ الحكم بتحقّقه.
__________________
(١) قاله الفاضل التوني في الوافية : ١٩٥.
(٢) حكاه الوحيد البهبهاني في الفوائد الحائريّة : ٤٧٥ و ٤٧٦ ، الفائدة ٢٩.
(٣) قاله المحقّق الحلّي في معارج الاصول : ٢٠٨.
(٤) تهذيب الأحكام ١ : ٤٢١ ، ح ١٣٣٥ ، والاستبصار ١ : ١٨٣ ، ح ٦٤١.