فصل [٣]
ومن النوع الأوّل أيضا : أصالة عدم تقدّم الحادث ، كأن يقال في الماء الذي وجد فيه نجاسة بعد الاستعمال ولم يعلم أنّ وقوعها فيه بعده أو قبله : الأصل عدم تقدّم النجاسة ، فلا يكون ما لاقاه هذا الماء قبل رؤية النجاسة نجسا ، وهو من أقسام أصل العدم ، فيترتّب حجّيّته على حجّيّتها (١).
ويشترط في جواز التمسّك به أن لا يستلزم شغل الذمّة من جهة اخرى ، فإذا استعمل ماء ثمّ ظهر أنّه كان قبل ذلك في وقت نجسا ، ثمّ طهر بما يقع به التطهير وشكّ في تقدّم الاستعمال على التطهير وتأخّره عنه ، فلا يجوز أن يقال : الأصل عدم تقدّم التطهير ؛ للزوم نجاسة ما لاقاه حينئذ.
وممّا يتفرّع عليه قبول قول البائع دون المشتري لو تنازعا في تقدّم العيب على العقد وتأخّره عنه.
فصل [٤]
ومن النوع الأوّل أيضا : الأخذ بالأقلّ عند فقد الدليل على الأكثر ، وهو إنّما يكون فيما اختلف العلماء فيه على أقوال ، وكان يدخل بعضها في بعض ، وكان الأقلّ ثابتا بنصّ أو إجماع وشكّ في الزائد ، ولم يكن ثبوته راجحا ، فيلزم أن يؤخذ بالأقلّ (٢) ، وينفى الزائد بالأصل. مثاله : قيل في عين الدابّة ربع قيمتها (٣). وقيل نصف قيمتها (٤). وليس للقول الثاني دليل يرجّحه على الأوّل ، فنقول : الربع ثبت إجماعا ، فينفى الزائد للأصل ، فهو من أقسام أصل البراءة ، فوجه حجّيّته ظاهر.
لا يقال : الذمّة مشغولة بشيء يقينا ، وقد اختلف فيما تبرأ (٥) ، واشتغال الذمّة اليقينيّ
__________________
(١) في « ب » : « حجّيّته ».
(٢) في « ب » : « الأقلّ ».
(٣) قاله المحقّق الحلّي في المعتبر ١ : ٣٢.
(٤) حكاه المحقّق الحلّي في المصدر. وأيضا حكاهما الفاضل التوني في الوافية : ١٩٨.
(٥) في « ب » : « يبرئه ». والصحيح : « يبرئها ».