وعلى المذهب الحقّ تصير المسألة خلافيّة ، بناء على أنّ المناط هل الاصطلاح اللغوي السابق ، أو الاصطلاح الحادث؟
والحقّ : أنّه إن اعتبر اللفظ والقصد معا في العقود يكون العقد باطلا ، وإن لم يعتبر القصد فالمناط الاصطلاح السابق ، ولا يقاومه الاصطلاح الطارئ ، فيلزم الألف.
وكذا الحال في كلّ عقد اصطلاح المتبايعان أو أحدهما على تسمية العوضين أو أحدهما بغير اسمه المعروف ، بل يمكن التأتّي في غير العقود أيضا. وكيفيّة التفريع في الجميع على ما ذكرنا.
اعلم أنّ طريق معرفة اللغات إمّا النقل المحض وهو إمّا متواتر ، أو آحاد ومثالهما ظاهر.
وإمّا المركّب من النقل والعقل ، كما إذا حصل لنا مقدّمتان نقليّتان ، أو إحداهما نقليّة والاخرى عقليّة ، فرتّبهما العقل وحصّل منهما نتيجة دالّة على وضع لفظ لمعنى. مثلا ثبت بالنقل أنّ الجمع المعرّف باللام يصحّ منه الاستثناء ، وثبت أيضا أنّ الاستثناء إخراج أمر لو لا الاستثناء لدخل هذا الأمر في المستثنى منه ، فيعلم منه أنّ الجمع المعرّف شامل له ولغيره ، وهو معنى الاستغراق ؛ فيثبت من هذا أنّ الجمع المعرّف باللام موضوع للاستغراق. وطريق الإثبات من النقل والعقل.
وذهب بعض العامّة إلى جواز إثبات اللغات بالقياس (١) بأن يسمّى شيء باسم إلحاقا له بشيء مسمّى بذلك الاسم لمعنى يدور معه وجودا وعدما بسبب وجود هذا المعنى في الشيء الأوّل ، كما قالوا : تسمية ماء العنب بالخمر دائرة مع التخمير ، فقبله لا يسمّى خمرا ومعه يسمّى خمرا ، فيعلم منه أنّ علّة التسمية بالخمر وجود التخمير ، فكلّ شيء وجد فيه التخمير يسمّى خمرا ، كالنبيذ وغيره من المسكرات. وكذا تسمية النبّاش بالسارق ؛ للأخذ بالخفية ، واللائط بالزاني ؛ للإيلاج المحرّم.
__________________
(١) قاله الفخر الرازي ونسبه أيضا إلى ابن سريج وغيره في المحصول ٥ : ٣٣٩.