يحتاج إلى البراءة اليقينيّة وهي إنّما تتحقّق بالأخذ بالأكثر.
لأنّا نقول : المحتاج إلى البراءة القدر المتيقّن من اشتغال الذمّة وهو الأقلّ ، والقدر المشكوك فيه لا يحتاج إلى البراءة ؛ للأصل.
وقد ظهرت كيفيّة التفريع.
وممّا يتفرّع عليه : قول الفقهاء : الأصل عدم بلوغ الماء كرّا. وهذا إذا شكّ في كرّيته ابتداء من غير سبق العلم بالقلّة اليقينيّة ، ومع سبقه والشكّ في كرّيته في أثناء دخول ماء آخر فيه ، يكون من الاستصحاب.
فصل [٥]
وممّا عدّ منه أيضا : عدم الدليل على حكم ؛ فإنّه يدلّ على عدمه ، وهذا ما يعبّر عنه (١) العامّة بأنّ عدم المدرك مدرك العدم (٢).
واستدلّ عليه بأنّ الحكم الشرعي لا بدّ له من دليل ، وإلاّ لزم التكليف بالمحال ، فإذا شكّ في حكم ولم يظفر بدليل عليه ، غلب على الظنّ عدمه (٣).
وغير خفيّ أنّ هذا الدليل يفيد عدم تعلّق التكليف بمثل هذا الحكم (٤) لا عدمه في الواقع ، فيرجع إلى أصل البراءة ولا يكون مسلكا على حدة ، مع أنّ الظاهر من كلام القوم أنّه غير أصل البراءة ، بل غرضهم أنّ عدم الدليل دليل عدم الحكم في الواقع ، وحينئذ لا يكاد أن يصحّ هذا بإطلاقه.
أمّا أوّلا ؛ فلما دريت من أنّه لا يوجد واقعة إلاّ ولها مدرك شرعي وحكم واقعي عند أهله وإن لم يصل إلينا.
وأمّا ثانيا ؛ فلأنّ عدم الدليل لو كان دليل العدم ، لكان عدم دليل العدم دليلا على عدم
__________________
(١) في « ب » : عند.
(٢) حكاه الفخر الرازي في المحصول ٦ : ١٦٨.
(٣) قاله الغزالي في المستصفى : ١٥٩ ، والمحقّق الحلّي في معارج الاصول : ٢١٢ ، وحكاه وفصّله الفاضل التوني في الوافية : ١٩٨.
(٤) تعلّق التكليف بالحكم ممّا لا وجه له إلاّ أن يراد من التكليف الفعليّة.