ورابعها : استصحاب النفي في الحكم الشرعي إلى أن يرد دليل ، وهو المعبّر عنه بالبراءة الأصليّة.
والحقّ أنّه لا ريب في إمكان جريان الاستصحاب وحجّيّته في كلّ من الأقسام الأربعة ، كما يأتي (١) ، فما ذكره بعض المتأخّرين من أنّه لا استصحاب في القسمين الأوّلين ، ولا يمكن إثبات الحكم فيهما به ، بل بالعموم والنصّ والإجماع (٢) ، غير صحيح. ووجهه ما ذكرناه.
وكذا (٣) الحال في حكم علم ثبوته في قطعة مستمرّة من الزمان بإحدى الطرق المذكورة ، وشكّ في ثبوته في جزء منها غير جزئها الأوّل.
الصنف الثاني : ما شكّ في جريانه فيه ، ووقع فيه الخلاف ، وهو على قسمين :
أوّلهما : أن يعلم ثبوت حكم في الجملة من غير العلم بثبوت استمرار ما له وعدمه.
وثانيهما : أن يعلم استمراره في الجملة ، ثمّ حصل الشكّ فيهما بعد مضيّ ما يصلح ظرفا لهما.
والمشهور بين القوم إمكان جريان الاستصحاب وحجّيّته فيهما ، ونفاه جماعة (٤) ؛ لأنّه في موضع لو لم يعرض الشكّ في ثبوت الحكم ، لحصل اليقين بالبقاء ، وهنا ليس كذلك ، ويأتي تحقيق الحال فيهما (٥).
ثمّ ثبوت الحكم في المواضع المذكورة إمّا باعتبار يعلم من خارج أنّ زواله لا يستلزم زواله ، كثبوت نجاسة ثوب باعتبار ملاقاته للبول مثلا ، ولا ريب أنّ زوال الملاقاة لا يستلزم زوال النجاسة.
أو باعتبار لا يعلم ذلك فيه ، كوجوب الاجتناب عن إناء مخصوص باعتبار وقوع النجاسة فيه بعينه ، فإذا اشتبه بغيره وزالت المعلوميّة بعينه ، يقع الشكّ في زوال الحكم ،
__________________
(١) يأتي في ص ٤٠٨.
(٢) قاله الفاضل التوني في الوافية : ٢١٧.
(٣) عطف على « ومنها أن يعلم ثبوت حكم في جميع الأزمنة » في ص ٤٠٣.
(٤) منهم : السيّد المرتضى في الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٣٥٢ ، ونسبه الشيخ إلى أكثر المتكلّمين وكثير من الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة في العدّة في أصول الفقه ٢ : ٧٥٦.
(٥) يأتي في ص ٤٠٨.