والمراد بالتعارض أن يكون شيء يوجب اليقين لو لا الشكّ ، وما ذكروه ليس كذلك ؛ لأنّ اليقين في زمان لا يوجب حصوله في زمان آخر لو لا عروض الشكّ.
وأمّا الثاني ؛ فلأنّ شغل الذمّة في الزمان الذي وقع فيه الشكّ ليس يقينيّا ؛ لعدم دليل يتناوله بنصّه ، أو عمومه ، أو إطلاقه.
وما يوضحه : أنّه لو امرنا بفعل وقلنا : إنّ الأمر لا يفيد التكرار بل الماهيّة المطلقة ، وفعلنا ما يتحقّق [ به ](١) الماهيّة في ضمنه وشككنا بعده في وجوب المأمور [ به ](٢) ، لا يمكن إثباته فيه بهذين الدليلين ؛ لعدم ثبوت يقين بوجوب الفعل علينا فيه حتّى يدفع الشكّ به.
وما قيل : إنّه بعد ملاحظة الوجود المتقدّم يحصل رجحان البقاء في الزمان الثاني ؛ لأنّه لو فرض ارتفاع هذا الشكّ يحصل اليقين بالبقاء ؛ لأنّ عدم عروض الشكّ إنّما يتحقّق عند تحقّق جميع أجزاء علّة الوجود ، ومعه يحصل الجزم ببقاء المعلول ؛ لأنّ بقاءه ببقاء العلّة التامّة ، وزواله بزوالها (٣).
يرد عليه : أنّ معنى قولنا : « إنّ اليقين لا ينقض بالشكّ » وقولنا : « شغل الذمّة اليقينيّ لا يدفع بالبراءة المشكوك فيها » أنّه إذا ثبت بالدلالة أنّ هنا يقينا ، ثمّ ورد عليه الشكّ ، لا يترك اليقين به ؛ لأنّه في قوّة قولنا : « اليقين باق مع الشكّ » وهو قضيّة موجبة تقتضي وجود الموضوع ، ولم يتحقّق ذلك في زمان ثان حصل فيه الشكّ ؛ إذ لم يحصل فيه يقين أوّلا وإن حصل في زمان سابق عليه.
واستلزام ثبوت حكم في زمان لثبوته في زمان آخر من غير دلالة ممنوع ، واستلزام فرض ارتفاع الشكّ لوجود اليقين كلّيا مسلّم ، إلاّ أنّ فرض ارتفاعه في بعض المواضع يكشف عن بقاء اليقين ، وهذا إذا ثبت يقين أوّلا بدليل ثمّ ورد عليه الشكّ.
والدليلان يدلاّن على عدم مقاومة مثل هذا الشكّ لمثل هذا اليقين. وفي بعضها يتوقّف على تجدّد يقين باعتبار دليل ، وهذا إذا لم يحصل يقين أوّلا ، وهما لا يجريان فيه ؛ لعدم
__________________
(١ و ٢) أضفناهما بمقتضى الضرورة.
(٣) حكاه الفخر الرازي في المحصول ٦ : ١٢٠ ، وقاله الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٤ : ١٣٤ ، والمحقّق الحلّي في معارج الأصول : ٢٠٨.