ثبوت يقين فيه حتّى يقع التعارض بينه وبين الشكّ ، ولا معنى لتحقّق الاستصحاب فيه.
نعم ، إن بني الدليل الثاني على وجوب حصول اليقين بالامتثال مطلقا ، سواء علم شغل الذمّة أم لا ـ كما يستفاد من كلام جماعة (١) ـ دلّ على جريان الاستصحاب وحجّيّته فيما ذكره القوم أيضا ، إلاّ أنّه حينئذ يكون ممنوعا ، ووجهه ظاهر.
[ الوجه ] الثالث : أنّ ما يثبت أوّلا ولم يتحقّق ما يزيله يظنّ بقاؤه ، ولولاه لعدّ إرسال الودائع والهدايا والمكاتيب من البعيد سفها ، وسفّه من اشتغل بما يقتضي زمانا من حراثة وتجارة وغيرهما ، ولزم أن يكون نسبة الوجود والعدم إلى قرية سبق العلم بوجودها ، وقرية سبق العلم بعدمها على السواء ، وهو ظاهر البطلان. والسرّ فيه أغلبيّة استمرار تحقّق مطلق الجواهر والأعراض القارّة المتحقّقة والانتزاعيّة بعد تحقّق ما ينزع منه. وما ينقض سريعا هو غير القارّ من الأعراض ، ولا يقطع بكون الأحكام الشرعيّة منها ، فإمّا أن يجزم أو يظنّ بكونها من الانتزاعيّة على ما هو الظاهر ، فثبت المطلوب ، أو يشكّ ولا يعلم أنّه من أيّ الأقسام؟ ولا ريب أنّ ما فيه أغلبيّة الاستمرار أغلب من غيره ، والمشكوك يلحق بالأعمّ الأغلب. وهذا الدليل يدلّ على حجّيّته في الصنف الأوّل والثاني ، سواء كان في الحكم الشرعي أو الوضعي ، وفي نفسه ، أو موضوعه ، أو متعلّقه ، أو فيما لا تعلّق به أيضا (٢).
[ الوجه ] الرابع : الاستقراء ؛ فإنّ تصفّح جزئيات الأحكام الصادرة من الشارع يعطي الظنّ بأنّ الأصل عنده في كلّ متحقّق دوامه ، كحكمه بعدم جواز قسمة مال الغائب ، وبقاء أنكحته ، وعزل نصيبه في المواريث وإن طال غيبته وبقاء الملك ، وجواز الشهادة عليه ما لم يعلم الرافع ، وبقاء الليل والنهار حتّى يجزم بانقضائهما ، وجواز إعتاق الآبق في الكفّارة ، وعمل الشاكّ في الطهارة ، والمتيقّن في الحدث ، وعكسه على (٣) يقينه ، وجواز الاستمتاع لو شكّ في الزوجيّة إذا تقدّم عليه العلم بثبوتها ، وحرمته لو شكّ فيها ابتداء ، ولا فارق بين
__________________
(١) راجع : تهذيب الوصول : ٢٩٣ ، وتمهيد القواعد : ٢٧١ ، القاعدة ٩٦ ، والوافية : ١٩١.
(٢) حكاه الفخر الرازي في المحصول ٦ : ١٢١ ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٤ : ١٣٩ ، والفاضل التوني في الوافية : ٢٠٨.
(٣) متعلّق على « عمل ».