والجواب : أنّ علّة التسمية ليست التخمير فقط ، بل هو مع المحلّ الخاصّ ، أعني ماء العنب ، وفي النبيذ مثلا وجد أحدهما فقط.
وإذا عرفت هذا ، تعلم أنّه يتفرّع عليه عدم إجراء جميع أحكام أشياء معيّنة مسمّاة بأسماء خاصّة على أشياء أخر سمّيت بأسماء الأشياء الاول بسبب الدوران ، كإجراء أحكام الخمر على جميع المسكرات ، اللهمّ إلاّ في بعض ثبت بدليل من خارج.
ذهب بعض النحاة إلى أنّ الألفاظ بأسرها موضوعة للحقائق الخارجيّة (١).
وهذا القول لا خفاء في بطلانه ؛ لأنّ بعض الألفاظ موضوع للمعدومات الممكنة والممتنعة.
وذهب جمع إلى أنّها بأسرها موضوعة للمعاني الذهنيّة (٢).
واستدلّوا : بدوران الألفاظ معها وجودا وعدما ؛ فإنّ من رأى شبحا من بعيد وظنّه إنسانا يسمّي به ، ثمّ إذا تغيّر ظنّه الأوّل وظنّه حجرا يسمّي به (٣) ، وهكذا.
والحقّ ، أنّ هذا الدليل غير تامّ ؛ لأنّه يجوز أن يكون لفظا : الإنسان والحجر موضوعين للإنسان والحجر الخارجيّين ، إلاّ أنّ الرائي لمّا ظنّ الشبح المرئيّ إنسانا خارجيّا ، أو حجرا خارجيّا سمّاه بأنّه ما وضع له.
ذهب بعض المتأخّرين إلى أنّ الألفاظ موضوعة للماهيّة من حيث هي مع قطع النظر عن كونها موجودة في الخارج أو الذهن (٤).
وهذا المذهب عندي أقرب إلى التحقيق ؛ فإنّ من يضع لفظا بإزاء شيء قد يلاحظ الشيء الخارجيّ ويضع لفظا بإزائه ، وقد يلاحظ ما في ذهنه ولا يلتفت إلى الخارج ويضع
__________________
(١) راجع : المحصول وهامشه ١ : ٢٠٠ ، ونهاية السؤل ٢ : ١٦.
(٢) منهم : الفخر الرازي في المحصول ١ : ٢٠٠ ، والبيضاوي في منهاج الاصول المطبوع مع نهاية السؤل ٢ : ١١ ، والعلاّمة في تهذيب الوصول : ٦٣.
(٣) راجع المحصول ١ : ٢٠٠.
(٤) منهم : الأسنوي في نهاية السؤل ٢ : ١٦ ، وملاّ ميرزا جان كما في هامش شرح تجريد الاصول ١ : ١٠١ ( مخطوط ) ، وهو مذهب سلطان العلماء.