وبتسفيه من حكم ببقاء زيد في الدار إذا غاب عنه.
وبأنّ أدلّة الأحكام معروفة وليس الاستصحاب واحدا منها (١).
والجواب عن الأوّل : اختيار الشقّ الأوّل أوّلا ، ولا يلزم انتفاء الاستصحاب حينئذ ؛ لما تقدّم. ثمّ الثاني ثانيا ، ولا يلزم إثبات الحكم بغير دليل ؛ لدلالة بعض الأدلّة المتقدّمة على أنّ الثابت في زمان لا يرتفع إلاّ بدليل.
وعن الثاني : أنّا لا نمنع اعتضاد بيّنة النفي بالاستصحاب ، لكن لبيّنة الإثبات وجوه أخر من الأولويّة تترجّح عليه وتغلبه :
منها : إمكان اطّلاع المثبت على ما يخالف الأصل ، وعدم اطّلاع النافي عليه ؛ لجواز حدوثه عند غيبته.
ومنها : أنّ غلط المثبت ـ بأن يظنّ المعدوم موجودا ـ أبعد من غلط النافي ، بأن يعكس ؛ بناء على عدم علمه.
ومنها : أنّ المثبت لمّا كان مدّعيا للعلم بالوجود ، يكون له طريق قطعيّ بخلاف النافي ؛ فإنّ طريقه ـ وهو عدم العلم ـ ظنّي.
ومنها : أنّ إنكار الحقّ أكثر من دعوى الباطل ؛ لأنّ دفع غير الملائم أهمّ من جلب الملائم عند المحقّ والمبطل ، ولذا يدفع كلّ منهما عن نفسه كلّ الأوّل ، ولا يجلب كلّ منهما إلى نفسه كلّ الثاني ، وغير خفيّ أنّه إذا عارض الأصل واحد منها وتساقط (٢) ، بقي الباقي سالما.
و [ الجواب ] عن الثالث : أنّ التسفيه هنا لوجود ما يدفع الأصل ، وهو قضاء العادة بالخروج ، ولولاه لكان الحكم بالبقاء صحيحا.
و [ الجواب ] عن الرابع : أنّ الأدلّة العقليّة من أدلّة الأحكام ، والاستصحاب منها ؛ لثبوت حجّيّته من العقل. وعلى ما ذكرنا من دلالة الأخبار على حجّيّته ، يمكن عدّه من السنّة ، إلاّ
__________________
(١) قاله السيّد المرتضى في الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٣٤٥ و ٣٤٦ و ٣٤٨ ، والغزالي في المستصفى : ١٥٩.
(٢) في « ب » : « تساقطا ».