وغير خفيّ أنّ ما وقع فيه التعارض إن كان أحد الموردين الأوّلين ، فلا إشكال فيه. فإن كان من الثالث فإمّا أن يرجّح أحدهما في نظر المجتهد ـ إمّا لقوّته في نفسه ، أو لاعتضاده بدليل من خارج ـ فيجب عليه أن يأخذ به ويترك الآخر ، أو لا ، ويقوى في نفسي حينئذ لزوم الأخذ بالأصل ؛ لأنّ الغالب فيما تعارض فيه الأصل والظاهر تقديم الأصل ، كما لا يخفى على من تصفّح أمثلة الموارد الثلاثة ، فيكون الأصل معتضدا بظاهر آخر ، والظاهر الواحد لا يقاومهما.
نعم ، لو كان له قوّة بحيث يعادلهما معا من غير ترجيح لأحدهما ، فيكون من باب تعادل الأمارتين ، ويأتي حكمه إن شاء الله.
ومنها : أن يعارضه دليل شرعي آخر ، كالإجماع ، أو الكتاب ، أو السنّة. فإذا قاومه وغلبه يؤخذ به ويترك الأصل ، ولذا غلب الشكّ على اليقين في مسائل : كوجوب غسل جميع الثوب والبدن لو علم إصابة موضع وجهل تعيينها مع أصالة الطهارة في غير ذلك الموضع ، ووجوب ثلاث صلوات على من فاته واحدة مع أصالة البراءة ، وغير ذلك (١).
فائدة
إذا دلّ دليل على الانتقال عن مقتضى أصل عدم ، أو استصحاب ، أو قاعدة ، أو غيرها إلى غيره كائنا ما كان.
فإن دلّ على لزومه ، فلا يجوز العدول عن الأصل المنتقل إليه إلى الأصل المهجور ، وإن دلّ على مجرّد الرخصة والجواز ، فيجوز. وإن وقع الاشتباه في الدلالة على اللزوم والرخصة ، وقع الاشتباه في الجواز وعدمه أيضا.
وربّما عدّ منه بناء كثير السهو على عدم الفعل ، مع أنّ حكمه عدم الالتفات ؛ فإنّه لو شكّ في سجدة أو تسبيحة أو قراءة وهو في محلّها ، فإنّه لا يلتفت ؛ لأنّ كثرة السهو جوّزت البناء على الفعل ، مع أنّ الأصل عدمه. فلو فعل ذلك ، فهل يبطل صلاته؟
ثالثها الفرق بين الترك وغيره. والظاهر البطلان مطلقا. ومنه المسح على موضعه بعد ما علم صحّة غسله في موضع التقيّة.
__________________
(١) للمزيد راجع : الوافية : ٢٠٨ ـ ٢١٨ ، الفوائد الحائريّة : ٢٨١ ـ ٢٨٢ ، الفائدة ٢٧.