أمّا الأوّل ؛ فلأنّ غلبة الظنّ في ذهن المجتهد ترجّح إرادة الشارع لتعميم الحكم ، فالمخالفة تؤدّي إلى ترجيح المرجوح ؛ على أنّ الإجماع منعقد على جواز عمل المجتهد بظنّه ، وقد سبق (١) أنّه لو لم يعمل به لزم تعطيل الأحكام ، وسدّ أبواب الحلال والحرام ، فالعمل به من باب الرخصة الناشئة عن الضرورة في زمن الغيبة ، وإلاّ فدين الله أجلّ من أن لا ينصب عليه قاطع يعرفه إمام عادل.
لا يقال : الظنّ الذي يجوز العمل به إنّما هو الحاصل عن أمارة شرعيّة دون غيره.
لأنّا نقول : لو سلّم هذا ، فما نحن فيه أيضا منه ، وهو ظاهر.
وأمّا الثاني فواضح بعد ما ذكر.
وكيفيّة التفريع : أنّه لو اختلف في الوتر فنقول : إنّه مندوب ؛ لأنّ ما وجدنا من أفراد الصلوات الواجبة لا يجوز أن يؤدّى على الراحلة ، فثبت منه أنّ كلّ صلاة واجبة كذلك ، والوتر يجوز أن يصلّى على الراحلة بالإجماع ، فلا يكون واجبا.
فصل [٩]
ومن النوع الثالث (٢) الاحتياط. وقد عرفت معناه والفرق بينه وبين التوقّف.
وقد اختلفوا في وجوب العمل به ، فالأخباريّون على وجوبه فيما لا نصّ فيه ، وفيما تعارض فيه النصّان بعد عدم الظفر بمرجّح (٣). والمجتهدون ـ لمّا قالوا بحجّيّة البراءة الأصليّة مع عدم الدلالة الناقلة ، وبالتخيير فيما تعارض فيه النصّان مع عدم المرجّح ـ ذهبوا إلى استحبابه فيهما (٤) ، وهو الحقّ.
وقيل بعدم مشروعيّته أصلا (٥).
وقيل بالوجوب مع العلم باشتغال الذمّة (٦) ، أي فيما يثبت وجوبه ، كالصلاة المنسيّة
__________________
(١) تقدّم في ص ٣٥٠.
(٢) أي ما لا يعتمد عليه وقد تقدّم في ص ٣٨٦.
(٣) قاله الاسترآبادي ، ونسبه أيضا إلى قدماء الأخباريّين في الفوائد المدنيّة : ١٠٤.
(٤) قاله الوحيد البهبهاني ، ونسبه أيضا إلى المجتهدين في الفوائد الحائريّة : ٤٤٦ ، الفائدة ٢١.
(٥) قاله المحقّق الحلّي في معارج الاصول : ٢١٦ ، وقال : « العمل بالاحتياط غير لازم ».
(٦) نسبه المحقّق الحلّي إلى جماعة في معارج الاصول : ٢١٦ ، وقاله أيضا الفاضل التوني في الوافية : ١٧٨.