فصل [١٠]
ومن النوع الثالث (١) الاستحسان. وقد اختلف الباحثون عنه في حقيقته.
فقيل : دليل ينقدح في نفس المجتهد ويعسر عليه التعبير عنه (٢).
وقيل : العدول من حكم الدليل إلى العادة لمصلحة الناس (٣).
وقيل : تخصيص قياس بدليل أقوى منه (٤).
وقيل : العدول عن قياس إلى قياس أقوى منه (٥).
وقيل : العدول إلى خلاف حكم النظير بدليل أقوى منه (٦).
قيل : على هذه التفاسير لا يتحقّق استحسان مختلف فيه ، لأنّ بعضها مقبولة وفاقا ، وبعضها مردّدة بين ما هو مقبول وفاقا وبين ما هو مردود كذلك.
والأوّلان من الثاني (٧).
أمّا الأوّل ؛ فلأنّ الدليل المنقدح إن كان من الأدلّة المعتبرة في الشرع وكان المجتهد متحقّقا بثبوته ، فيجب عليه العمل به وفاقا ، وإلاّ فيجب عليه ردّه وفاقا.
وأمّا الثاني ؛ فلأنّ العادة إن كانت من العادات الجارية في عصر النبيّ صلىاللهعليهوآله أو عصر الصحابة مع عدم إنكارهم ، فهي من السنّة ويجب قبولها وفاقا ، ومنها العدول عن مقتضى الإجارات في دخول الحمّام من غير تعيين مدّة المكث ومقدار الماء المسكوب والاجرة ، وشرب الماء من السقاء من غير تعيين الماء وعوضه.
وإن كانت من غيرها ، فإن دلّ على قبولها دليل ثبت حجّيّته ، فثبتت به ولا ريب حينئذ في قبولها ، وإلاّ فيجب ردّها اتّفاقا.
والبواقي من الأوّل.
__________________
(١) أي ما لا يعتمد عليه. وقد تقدّم في ص ٣٨٦.
(٢ ـ ٥) نسبه الآمدي إلى أصحاب أبي حنيفة في الإحكام في أصول الأحكام ٤ : ١٦٣ ـ ١٦٤.
(٦) حكاه الآمدي عن الكرخي في المصدر : ١٦٤.
(٧) للمزيد راجع : المعتمد ٢ : ٢٩٦ ، وفواتح الرحموت المطبوع مع المستصفى ٢ : ٣٢١ ، والإحكام في أصول الأحكام ٤ : ١٦٢ ـ ١٦٦ ، ومنتهى الوصول : ٢٠٨ ، ونهاية السؤل ٤ : ٣٨٥ ، والإحكام في أصول الأحكام ٤ : ١٦٢ و ١٦٣.