تعالى : ( وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها )(١) ؛ فالنزاع معنوي ، وتحريره ما حرّرناه. ولا استبعاد في صدور مثله عن مثلهم ؛ لأنّه ليس أوّل قارورة كسرت في الإسلام.
وما أوقعهم في ذلك الآيات الدالّة على لزوم الأخذ بالأحسن ، كالآيتين المذكورتين ، وقوله تعالى : ( وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ )(٢) ، حيث دلّت على ترك بعض واتّباع بعض بمجرّد كونه أحسن ، وهو معنى الاستحسان.
والجواب : أنّ المراد من الأحسن الأظهر والأولى ، أو الراجح عند التعارض.
وبقوله (٣) عليهالسلام : « ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن » (٤) دلّ على أنّ ما يراه الناس بعقولهم وعاداتهم مستحسنا ، فهو حسن في الواقع.
والجواب : المسلمون صفة عموم ، فيدلّ على حسن ما يراه جميع المسلمين حسنا.
فصل [١١]
ومن النوع الثالث (٥) المصالح المرسلة.
اعلم أنّ المصلحة هي ما يوافق (٦) الإنسان لدنياه أو لآخرته أو لهما ، وحاصله جلب نفع أو دفع ضرّ.
ولها تقسيمات باعتبارات ربّما تأتي في بحث القياس ، وباعتبار شهادة الشرع لها بالاعتبار وعدمه ثلاثة أقسام : معتبرة ، وملغاة ، ومرسلة.
فالاولى : ما شهد الشرع باعتباره ، كحفظ الخمسة الضروريّة ، أي الدين ، والنفس ، والعقل ، والنسل ، والمال ، وهو من المصالح المعتبرة في كلّ الشرائع والأديان ، ولذا حرّم في جميعها ما يؤدّي إلى فسادها ، واوجب ما يفضي إلى بقائها.
والثانية : ما شهد الشرع بإلغائه ، كما إذا قيل : الغنيّ يكفّر عن الوطء في نهار رمضان
__________________
(١) الأعراف (٧) : ١٤٥.
(٢) الزمر (٣٩) : ٥٥.
(٣) عطف على قوله : « بالأحسن » أي لزوم الأخذ بالأحسن وبقوله عليهالسلام.
(٤) مسند أحمد ١ : ٦٢٦ ، ح ٣٥٨٩.
(٥) أي ما لا يعتمد عليه ، وقد تقدّم في ص ٣٨٦.
(٦) أي يوافقه الإنسان. وفي « ب » : « توافق ».