وقد وقع الخلاف في كون الأخيرين قياسا (١). والحقّ أنّهما هو كما يأتي.
والحاصل تسعة أصناف. وكلّ واحد منها إمّا جليّ ، وهو ما يعلم فيه نفي الفارق بين الأصل والفرع ، كقياس الأمة على العبد في تقويم النصب ، فإنّا نعلم أنّ الفارق بينهما ـ وهو الذكورة والانوثة (٢) ـ لا يصلح للتأثير في اختلاف أحكام العتق وإن صلح للاختلاف في أحكام غيره.
أو خفيّ ، وهو ما كان نفي الفارق فيه مظنونا ، كقياس القتل بالمثقل على القتل بالمحدّد. والحاصل ثمانية عشر قسما.
وربما ظهر من كلام جماعة أنّ الجليّ اسم للقياس بالطريق الأولى لا غير (٣) ، فيتّحد القياس بالطريق الأولى معه ولا ينقسم إليه وإلى غيره.
ولا يخفى أنّ كلّ قياس بطريق أولى ليس جليّا بالمعنى الذي ذكرناه ؛ فإنّ كون اقتضاء الجامع للحكم في الفرع أولى منه في الأصل ، لا يستلزم العلم بنفي الفارق بينهما ؛ لجواز أن يكون الاقتضاء المذكور ظنّيّا ؛ فإنّه لا يشترط في القياس بالطريق الأولى أن يكون الاقتضاء قطعيّا ، وحينئذ يكون تعليل الحكم بالجامع ظنّيّا ، فربما كان لخصوص مادّة الأصل مدخليّة في الحكم ، فلا يقطع بنفي الفارق بينهما فيه ، فيصحّ انقسام القياس بالطريق الأولى إلى الجليّ والخفيّ ، كما يصحّ انقسام عكسه إليهما.
ولا يرد أنّ اقتضاء الجامع للحكم في الأصل إذا كان أقوى (٤) منه في الفرع ، لا يمكن القطع بنفي الفارق ، فينحصر في الخفيّ ؛ لجواز أن يقطع باقتضائه له فيهما وإن كان في الأصل أشدّ.
نعم ، إن اريد بالجليّ معنى يرادف القياس بالطريق الأولى وبالخفيّ ما يقابله ، فلا كلام ، إلاّ أنّ العرف المشهور بين القوم ما ذكرناه (٥) ؛ لأنّ الظاهر أنّ الجليّ عندهم ما يعلم فيه نفي
__________________
(١) قال الفخر الرازي في المحصول ٥ : ١٥ : إنّهما ليسا بقياس ، وأشار إليه الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٤ : ٦ ، والعلاّمة في تهذيب الوصول : ٢٥١ و ٢٥٢ ، كما قاله الأسنوي في نهاية السؤل ٤ : ٤.
(٢) في « ب » : « الذكوريّة والانوثيّة ». والصحيح ما أثبتناه كما في الإحكام في أصول الأحكام ٤ : ٦.
(٣) راجع : المحصول ٥ : ١٢١ ـ ١٢٤ ، وتهذيب الوصول : ٢٧١ و ٢٧٢ ، ونهاية السؤل ٤ : ٢٦ ـ ٢٨.
(٤) في « ب » : « أولى ».
(٥) ذكره آنفا.