هذا ، ودليل التفصيل بعد تسليم اشتراط ذكرهما ـ أنّ إثبات ملزوم الشيء يقتضي إثباته ؛ إذ العلّة تستلزم المعلول فيكون بمثابة المذكور ، فيتحقّق الاقتران الخاصّ ، وإثبات اللازم لا يقتضي إثبات ملزومه ؛ إذ المعلول لا يستلزم العلّة ـ لا يخفى ضعفه من وجوه.
[ التذنيب ] الثاني : الوصف المومى إليه قد لا يكون بنفسه علّة بل بلازمه ، مثلا قوله عليهالسلام : « لا يقضي القاضي وهو غضبان » (١) وإن دلّ بظاهره على أنّ العلّة هي الغضب ، إلاّ أنّ التأمّل يعطي أنّ المانع عن القضاء حقيقة هو تشويش الفكر اللازم للغضب ، ولذا جعل الجوع والألم المفرطان المشوّشان للفكر مثله. وعلى هذا ، فالغضب اليسير الذي لا يوجب الاضطراب لا يكون مانعا من القضاء. ولو جعل العلّة نفسه ، لكان اليسير أيضا مانعا منه.
[ التذنيب ] الثالث : لا ريب في اشتراط نفس مناسبة الوصف المومى إليه للحكم في صحّة علل الإيماء. وأمّا ظهورها ، فقد اختلف فيه على أقوال ، ثالثها الاشتراط فيما فهم التعليل فيه من المناسبة ، كقوله : « لا يقضي القاضي وهو غضبان » (٢) وعدمه في غيره (٣).
والحقّ أنّ ترتّب الحكم على الوصف يفيد العلّيّة ، وتكون علل الإيماء صحيحة وإن لم يكن مناسبتها للحكم ظاهرة عندنا ؛ فإنّ القدر المسلّم أنّ بين الوصف والحكم مناسبة.
وأمّا كونها بحيث كانت ظاهرة عندنا ، فلا دليل عليه ، وما يؤكّده أنّ قول القائل « أهن العالم وأكرم الجاهل » مستقبح ، مع أنّ ذلك قد يحسن لمعنى آخر ، فدلّ على أنّه لفهم التعليل.
وممّا يتفرّع عليه أنّه إذا سمع مؤذّنا بعد مؤذّن ، يستحبّ له حكاية الجميع ؛ لقوله : « إذا سمعتم المؤذّن » (٤) وهو متحقّق فيهما. نعم ، ربّما كان الاستحباب في الأوّل آكد (٥).
__________________
(١ و ٢) تقدّما في ص ٤٥٠.
(٣) ذكره الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٢٨٨ ، والفخر الرازي في المحصول ٥ : ١٤٣ ـ ١٥٥.
(٤) سنن ابن ماجة ١ : ٢٣٨ ، ح ٧٢٠ ، وصحيح البخاري ١ : ٢٢١ و ٢٢٢ ، ح ٥٨٦ / ٥٨٨ ، وسنن النسائي ٢ : ٢٥ و ٢٦ ، ح ٦٦٩ ، وصحيح مسلم ١ : ٢٨٨ ، ح ١١ / ٣٨٤.
(٥) لمزيد الاطّلاع على المسألة وما يتفرّع عليها راجع تمهيد القواعد : ٢٦١.