الظاهر من كلام جماعة (١) ـ فوجه حجّيّته قد ظهر ، وإن كان أعمّ منه من وجه ؛ نظرا إلى أنّه ما كان اقتضاء الجامع فيه للحكم في الفرع أقوى منه في الأصل. وهذا قد يعلم فيه نفي الفارق إذا كان الاقتضاء المذكور في الأصل قطعيّا ، وقد لا يعلم فيه ذلك إذا كان ظنّيّا ، وحينئذ يمكن أن يكون في الفرع أيضا ظنّيّا ، وإن كان الظنّ الحاصل منه أقوى من الظنّ الحاصل من الاقتضاء المذكور في الأصل ؛ فإنّ مجرّد ذلك لا يخرجه إلى القطع. وما يعلم فيه نفي الفارق أيضا قد يكون اقتضاء الجامع فيه للحكم في الفرع أقوى منه في الأصل ، وقد لا يكون.
فالمتّفق على حجّيّته هو المادّة التي يكون اقتضاء الجامع فيها للحكم قطعيّا ، وإن أمكن أن يقال بحجّيّة المادّة الظنّية أيضا ؛ نظرا إلى أنّ اقتضاء الجامع للحكم في الأصل وإن كان ظنّيّا ، إلاّ أنّ الظنّ لمّا كان بحيث صار سببا لاستناد الحكم إلى الجامع ، وحصل ظنّ أقوى منه باقتضائه للحكم في الفرع ، فيعلم ثبوت الحكم فيه. إلاّ أنّ ما فهمت من قواعد الإماميّة ـ كما يأتي (٢) ـ أنّ كلّ ما يصدق عليه القياس ليس حجّة إلاّ ما يقطع فيه بثبوت الحكم في الفرع (٣) ، كالقطعي والجليّ وأمثالهما ، فإنّ ذلك لقطعيّته يستثنى من مطلق القياس الذي ثبت عندهم بالتواتر عن أئمّتهم عليهمالسلام منع العمل به (٤) ، واستثناء الظنّي لا يكاد يصحّ من العمومات القطعيّة ، إلاّ أن يثبت بظنّ كان حجّة شرعا.
ثمّ القياس بالطريق الأولى إذا علم في أصله تعليل الحكم بالوصف وكان أقوى في الفرع ، فلا خلاف في صحّة تعدية الحكم من الأصل إلى الفرع ، وإنّما وقع الخلاف في كونه قياسا.
والحقّ أنّه هو ؛ لصدق القياس عليه لغة واصطلاحا ؛ ولأنّه لو قطع النظر عن المعنى المناسب المشترك المقصود من الحكم كالإكرام في منع التأفيف ، وعن كونه أقوى في الفرع لما حكم به ، ولا معنى للقياس إلاّ ذلك.
__________________
(١) منهم : الفخر الرازي في المحصول ٥ : ١٢٤ ، والمحقّق الحلّي في معارج الاصول : ١٨٥ ، والفاضل التوني في الوافية : ٢٣٨.
(٢) يأتي في ص ٤٦١.
(٣) راجع : معارج الاصول : ١٨٥ ، ومبادئ الوصول : ٢١٨ ، ومعالم الدين : ٢٢٩ ، والوافية : ٢٣٧.
(٤) راجع وسائل الشيعة ٢٧ : ٤٤ ـ ٦٢ ، أبواب صفات القاضي ، الباب ٦ ، ح ٢٠ ـ ٥٢.