وقيل : إنّه ليس بقياس. ووجه التعدية فيه إمّا دلالة مفهومه وفحواه عليه ، ولذلك سمّي مفهوم الموافقة ؛ لكون الحكم غير المذكور موافقا للحكم المذكور ، وفحوى الخطاب ولحن الخطاب أيضا ، ويقابله مفهوم المخالفة ، كمفهوم الشرط وأمثاله ، ويسمّى دليل الخطاب.
وإمّا الفهم العرفي ، فإنّ العرف نقل ( فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ )(١) ـ مثلا ـ عن موضوعه اللغوي وهو المنع عن التأفيف ، إلى المنع عن أنواع الأذى (٢).
واستدلّ عليه بأنّه لو كان قياسا لما قال به النافي له ، وبأنّه يقطع بإفادة الصيغة في مثله للمعنى المذكور من غير توقّف على استحضار القياس (٣).
والجواب عن الأوّل : أنّ النافي للقياس استثنى عنه ما يعرف الحكم فيه بالطريق الأولى.
وعن الثاني : أنّ التوقّف على استحضاره إنّما هو في الأقيسة الخفيّة ، لا في مثله ؛ فإنّه ممّا يعرفه كلّ من يعرف اللغة من غير افتقار إلى نظر واجتهاد.
وكيفيّة التفريع : أنّ آية التأفيف حجّة على تحريم ضرب الأبوين ؛ إذ يعلم من فحواها أنّ علّة النهي عن التأفيف حصول الأذى ، وهو أقوى في الضرب. وآية الذرّتين (٤) حجّة على الجزاء بما فوق المثقال ؛ لفهم العلّة ـ أعني عدم تضييع الإحسان والإساءة ـ من الفحوى ، وكونها أقوى في الفرع. وآية تأدية القنطار ، وعدم تأدية الدينار حجّة على تأدية ما دون القنطار ، وعدم تأدية ما فوق الدينار ؛ لفهم العلّة ـ أعني الأمانة في أداء القنطار وعدمها في عدم أداء الدينار ـ من الفحوى ، وأشدّيّتها في الفرع.
المقام الثاني : فيما اختلف في حجّيّته ، وهو المنصوص العلّة.
وقد اختلف في حجّيّته على أقوال ، ثالثها : الحجّيّة في علّة التحريم دون غيرها (٥).
__________________
(١) الإسراء (١٧) : ٢٣.
(٢) قالهما البصري في المعتمد ٢ : ٢٣٥ ، والفخر الرازي في المحصول ٥ : ١٢١.
(٣) المصدرين.
(٤) إشارة إلى الآيتين ٧ ـ ٨ من سورة الزلزلة (٩٩) : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ).
(٥) حكاه الفخر الرازي عن أبي عبد الله البصري في المحصول ٥ : ١١٧ ، وحكاه الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٤ : ٥٩.