فصل [٩]
لمّا لم يكن مطلق القياس المستنبط العلّة ـ وهو الذي سمّيناه مرجوح التأثير ـ حجّة عندنا ، وكان لاستنباط العلّة عند القائسين طرق ـ كما عرفت (١) ـ فلا بدّ لنا أوّلا من إبطاله بقول مطلق ، ثمّ تفصيل القول في كلّ واحد منها وتضعيفه.
فنقول : لنا على بطلانه وجوه :
منها : إجماع العترة عليهمالسلام على ردّه ؛ فقد تواتر عند الفريقين إنكارهم له ، ومنع شيعتهم عن العمل به حتّى قال بعض العامّة : قد اشتهر عن أهل البيت إنكار القياس ، كما اشتهر عن أبي حنيفة والشافعي العمل به (٢).
ومنها : الآيات (٣) والأخبار الناهية عن اتّباع مطلق الظنّ (٤) ، خرج ما خرج بدليل فيبقى الباقي.
ومنها : اشتهار إنكاره عن أكثر الصحابة ، منهم : الشيخان وابن عباس. وإنكار عليّ عليهالسلام وذمّه له أشهر من أن يخفى (٥).
ومنها : شيوع ذمّ العمل بالرأي عن الصحابة ، سيّما عن الخلفاء الأربعة وابن عمر وابن مسعود ، والعمل بالقياس منه (٦).
ومنها : قوله صلىاللهعليهوآله : « ستفترق امّتي على بضع وسبعين فرقة أعظمهم فتنة قوم يقيسون الامور برأيهم » (٧) ، وقوله صلىاللهعليهوآله : « تعمل هذه برهة بالكتاب ، وبرهة بالسنّة ، وبرهة بالقياس ،
__________________
(١) راجع ص ٤٤٤ وما بعدها.
(٢) حكاه الرازي في المحصول ٥ : ١٠٦ ، والعلاّمة في مبادئ الوصول : ٢١٦.
(٣) البقرة (٢) : ١٦٩ ، والأعراف (٧) : ٣٣ ، ويونس (١٠) : ٣٦ ، والإسراء (١٧) : ٣٦ ، والحجرات (٤٩) : ١.
(٤) راجع : الكافي ١ : ٥٤ ـ ٥٩ ، باب البدع والرأي والمقاييس ، ووسائل الشيعة ٢٧ : ٣٥ ـ ٦٢ ، أبواب صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به ، الباب ٦ ، ح ١ ـ ٥٢.
(٥) راجع مبادئ الوصول : ٢١٦.
(٦) حكاه الفخر الرازي عن النظّام في المحصول ٥ : ٨٠ ، وابن حزم في ملخّص إبطال القياس : ٦٨ ـ ٧٣ ؛ وقاله العلاّمة في مبادئ الاصول : ٢١٥ و ٢١٦.
(٧) المستدرك على الصحيحين ٣ : ٥٤٧ ، وكنز العمّال ١ : ٢١٠ و ٢١١ ، ح ١٠٥٦ و ١٠٥٨.