أن يرجّح سبره بموافقته لتعدية الحكم ، وموافقة سبر المعترض للمقصود ، والتعدية أولى منه ؛ ليعمّ الحكم ويكثر الفائدة. هذا ما ذكروه (١).
وأنت بعد الإحاطة بما تقدّم تعلم فساد أصل دليلهم على السبر وغيره من الطرق ، وما ذكروه أيضا في بيان شقّيه (٢).
أمّا [ الشقّ ] الأوّل : فلأنّا نمنع التعليل في جميع الأحكام ، وإلاّ لزم الدور ، كما تقدّم (٣) ، والإجماع عليه لم يثبت ، كيف؟! والأشاعرة منعوا منه (٤) ، والآية (٥) لا تفيد العموم ، والغلبة لا تفيد أزيد من ظنّ لا ينتهض حجّة لتأسيس الأحكام. ومع تسليم ذلك كلّه يجوز أن يكون العلّة غير الأوصاف المحصورة.
وأمّا [ الشقّ ] الثاني : فلأنّ ما ذكر في بيان الشقّ الأوّل ـ وهو الحصر ـ لا يثبته ؛ لأنّ الاستقراء على فرض تحقّقه ليس بحجّة ، والتمسّك بالأصل في أمثال المقام ليس بصحيح.
وما ذكر في بيان الشقّ الثاني إن صحّ ، فلا يضرّنا ؛ لأنّا نقول أيضا بعدم علّيّة المحذوف. هذا.
والمناط عندنا في إبطال هذه الطرق ما ذكرناه مرارا.
ثمّ إنّك بعد الإحاطة بالأمثلة المذكورة هنا وفي تنقيح المناط لا يخفى عليك كيفيّة التفريع.
فصل [١٤]
ومن طرق الاستنباط ـ كما اشير إليه (٦) ـ الطرد والعكس ، أي الدوران. وقد عرفت (٧) أنّه الاستلزام في الوجود والعدم ـ أي كون الوصف بحيث يحدث الحكم بحدوثه وينعدم بعدمه ـ وهو قد يتحقّق في محلّ واحد ، كما في الإسكار والتحريم في العصير وقد يقع في
__________________
(١ و ٢) حكاها الفخر الرازي في المحصول ٥ : ٢١٧ ـ ٢٢٠ ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٢٨٩ ـ ٢٩٣ ، والأسنوي في نهاية السؤل ٤ : ١٢٨ ـ ١٣٧.
(٣) في ص ٤٨٤.
(٤) حكاه عنهم العلاّمة في تهذيب الوصول : ٢٥٤.
(٥) تقدّمت في ص ٤٨٥.
(٦) في ص ٤٣٨.
(٧) في ص ٤٢٤.