واحتجّ المانع في الإثبات دون النفي : بأنّ النفي يفيد العموم ، فيتعدّد ، بخلاف الإثبات (١).
وجوابه : أنّ المثبت أيضا يمكن أن يتعدّد مدلوله كما بيّنّاه (٢) ، ولو لا ذلك لم يمكن التعدّد في النفي أيضا.
واحتجّ القائل بأنّه ظاهر في الجميع عند التجرّد عن القرينة : بظواهر بعض الآيات ، كقوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ )(٣) إلى آخره ، وقوله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ )(٤) إلى آخره.
والجواب : أنّ الصلاة في الجميع بمعنى واحد وهو التعظيم ، وكذا السجود ، وهو غاية الخضوع.
وحقيقة الجواب : أنّ القرينة في الآيتين موجودة ، فليستا ممّا نحن فيه.
إذا عرفت الحقّ في هذه القاعدة تعلم أنّ كلّ لفظ مشترك ـ مفردا كان أو غيره ـ إذا وقع في كلام الشارع أو غيره ، فإن دلّت القرينة على المراد ، يحمل عليه وإن كان جميع معانيه ، ومع فقد القرينة يلزم التوقّف.
اللهمّ (٥) إلاّ إذا وقع في كلام الشارع ، فيمكن الحمل على جميع معانيه ، بناء على ما أشرنا إليه (٦) ، ولذا حمل « الخير » في قوله تعالى : ( فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً )(٧) على معنييه معا ، أعني المال والعمل الصالح ، أي الأمانة والديانة.
وإذا أوصى رجل شيئا لمواليه وكان له موال من أعلى وموال من أسفل ، فمع وجود القرينة يعمل بها ، ومع فقدها يجب التوقّف.
__________________
(١) تقدّم في ص ٤٥.
(٢) تقدّم في ص ٤٨.
(٣) الأحزاب (٣٣) : ٥٦.
(٤) الحجّ (٢٢) : ١٨.
(٥) استثناء من صورة عدم القرينة والتوقّف. ومعنى الاستثناء هو كون وقوع المشترك في كلام الشارع قرينة عامّة على الحمل على جميع المعاني.
(٦) أي عدم كون الوحدة جزءا للموضوع له. وقد تقدّم في ص ٤٩.
(٧) النور (٢٤) : ٣٣.