تتميما لدليله لا انتقالا إلى مطلوب آخر ، وإلاّ فلا ؛ لكونه انتقالا (١).
وقيل : إن كان له طريق أولى في القدح ، فلا ، وإلاّ فنعم ؛ لأنّ الانتقال وغصب المنصب إنّما ينفيان الاستحسان ، فإذا وجد الأحسن لا يرتكبهما ، وإلاّ فلا منع (٢).
والحقّ الأوّل ؛ لما ذكر. وما ذكر حجّة لباقي الأقوال لا يصلح لإثبات شيء.
وبهذا يظهر أنّ المستدلّ لو كان قد دلّ على وجود العلّة في محلّ التعليل بدليل موجود في محلّ النقض ، ونقض المعترض العلّة ، فمنع المستدلّ وجودها في محلّ النقض ، فقال المعترض : ما دللت به على وجودها ثمّة دلّ عليه هنا ، فينتقض دليلك ؛ لوجوده في محلّ النقض بدون مدلوله وهو وجود العلّة ، يسمع (٣) هذا من المعترض ؛ لأنّ النقض في دليل العلّة نقض في العلّة ، وهو مقصوده. وما اشتهر بين الجدليّين من أنّه لا يسمع منه لأنّه انتقال من قدح العلّة إلى قدح دليلها (٤) ، غير صحيح ؛ لأنّ الانتقال إذا توقّف المطلوب عليه لا منع فيه.
مثاله : إذا قال : من لم يبيّت صحّ صومه ؛ لأنّه أتى ما يسمّى صوما ، ودلّ على وجود الصوم بأنّه الإمساك مع النيّة وهو موجود. فانتقض المعترض بما لو نوى بعد الزوال. فقال المستدلّ : إنّه ليس بصوم. فقال المعترض : ما دللت به على وجود الصوم في محلّ التعليل ـ وهو ثبوت الإمساك مع النيّة في جزء من النهار ـ موجود في مادّة النقض. والخلاف إنّما إذا ادّعى انتقاض دليل العلّة بعينه. أمّا لو قال : يلزم إمّا انتقاض العلّة أو دليلها ، وعلى التقديرين لا يثبت العلّيّة ، لسمع وفاقا ؛ لعدم الانتقال حينئذ.
تذنيب
قد يمكن للمستدلّ أن يذكر في استدلاله قيدا يخرج به محلّ النقض ، وهو قد يكون ظاهرا ، كما إذا قال : الوضوء طهارة عن حدث ، فيفتقر إلى النيّة كالتيمّم ، فلا يرد النقض بإزالة النجاسة.
__________________
(١) حكاه الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٤ : ٩٣.
(٢) حكاه الفخر الرازي في المحصول ٥ : ٢٣٧ ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٤ : ٩٣ و ٩٤.
(٣) جواب لـ « لو كان قد دلّ ... ».
(٤) راجع المستصفى : ٣٣٤.