وقد يكون خفيّا ، كما إذا قال : السلم عقد معاوضة ، فلا يشترط فيه التأجيل كالبيع ، فلا ينتقض بالكتابة ؛ لأنّها ليست معاوضة ، بل عقد إرفاق.
وقد يكون مقولا على معان بالتواطؤ ، أو الاشتراك ، لا يرد النقض ببعضها ويرد ببعضها الآخر. فيمكن للمستدلّ أن يقول : أردت ما لا يرد به النقض.
مثال الأوّل : كما إذا قال : الوضوء عبادة متكرّرة فيفتقر إلى النيّة كالصلاة. فلو قال المعترض : ينتقض بالحجّ ؛ فإنّه متكرّر على زيد وعمر (١). فللمستدلّ أن يقول : أردت بالمتكرّر المتكرّر في الأزمان ، لا في الأشخاص.
ومثال الثاني (٢) : كما إذا قال : طلّقها ثلاثا في قرء واحد ، فلا يكون مبتدعا ، كما لو طلّقها ثلاثا برجعتين في قرء واحد. فلو قال المعترض : ينتقض بما لو طلّقها في الحيض. فللمستدلّ أن يقول : أردت بالقرء الطهر.
ثمّ القيد الذي يندفع به النقض إنّما هو الذي كان وصفا مناسبا. وحينئذ يكون علّة مستقلّة للحكم. ولو كان وصفا طرديّا فالحقّ أنّه لا يندفع به النقض ؛ لأنّ غاية ما في الباب أن يكون جزء العلّة ، فإذا انتقض أحد أجزائها وبيّن عدم تأثيره ، فلا يكون المجموع مؤثّرا. هذا.
والحقّ أنّ ذكر القيد المذكور لا يلزم على المستدلّ في متن استدلاله ، خلافا لجماعة (٣).
لنا : أنّه وفى بما سئل عنه وهو دليل العلّيّة ، والنقض معارضة في الحقيقة ، ونفي المعارض ليس جزءا للدليل.
وأيضا يمكن إيراده ـ وإن ذكره ـ بأن يقول المعترض : هذا وصف طردي والباقي منتقض.
وثانيهما (٤) : منع عدم الحكم في صورة النقض ، كما إذا قال في الثيّب الصغيرة : ثيّب فلا يجوز إجبارها ، كالثيّب البالغة ، فقال المعترض : ينتقض بالثيّب المجنونة ؛ فإنّه يجوز
__________________
(١) وجه النقض أنّ الحجّ عبادة ولا يحتاج إلى النيّة.
(٢) أي الاشتراك اللفظي.
(٣) منهم : الفخر الرازي في المحصول ٥ : ٢٥٢ و ٢٥٣ ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٤ : ٩٥ ، والأسنوي في نهاية السؤل ٤ : ١٧٢ و ١٧٣.
(٤) أي ثاني القسمين وقد تقدّم في ص ٥٠٨.