واحد بأن يكون كلّ منها علّة مستقلّة للعلم به (١).
وفيه نظر ؛ لمنع كون العلل الشرعيّة أدلّة محضة ؛ فإنّ الحقّ ـ كما عرفت (٢) ـ أنّها بواعث للحكم ، مؤثّرة فيه ، فيلزم ما ذكر (٣) ؛ على أنّه يلزم في اجتماع الأدلّة على مدلول واحد أيضا ؛ فإنّه لو أفاد كلّ واحد منها بالاستقلال علما بمعلوم واحد في محلّ واحد دفعة ، أو بالترتيب ، لجرى فيه ما ذكر من دون تفاوت.
فالجواب الحقّ : أنّ معنى استقلالها ليس ثبوت الحكم بها في الواقع على جميع التقادير ، بل إنّها إذا وجدت منفردة يثبت الحكم بها ، ففي حالة الانفراد وما في معناه ـ أي عند الترتيب مع حصول الثانية بعد زوال معلول الاولى ـ يثبت الحكم بها بالاستقلال ، وفي الترتيب مع حصول الثانية قبل زواله يثبت الحكم بالاولى ولا تأثير للثانية ، وعند الاجتماع الدفعي يحصل الحكم بالمجموع ، ويكون كلّ منها جزءا ؛ لأنّ حصوله بكلّ منها بالاستقلال يوجب ما ذكر (٤) ، وحصوله بواحد مبهم أو معيّن يوجب التحكّم ؛ وترجيح معيّن بأمثال ما ذكر (٥) والتعليل به فاسد ؛ لأنّها لم تعتبر حجّة شرعا في أمثال المقام.
فإن قيل : إطلاق القول بأنّ كلّ واحدة منها علّة مستقلّة ينافي ثبوت الحكم به وبغيره (٦) إذا وجدت غير منفردة ، وتخصيص ثبوته به بالاستقلال عند الانفراد.
قلت : لمّا كان ثبوت الاستقلال على (٧) تقدير الانفراد أمرا ثابتا عند الاجتماع ، بل عند العدم أيضا ، فسمّي (٨) بالاستقلال عندهما أيضا مجازا ، ولو منع هذه التسمية ، لصار النزاع لفظيّا.
وممّا ذكر ظهر أنّ خير الأقوال (٩) في الخلاف الذي وقع بين القائلين بتعدّد وقوع العلل
__________________
(١) الجواب للفخر الرازي في المحصول ٥ : ٢٧٤ ـ ٢٧٦.
(٢) في ٥١٤ ـ ٥١٥.
(٣ و ٤) والمراد بما ذكر هو اجتماع النقيضين ، المذكور آنفا.
(٣ و ٤) والمراد بما ذكر هو اجتماع النقيضين ، المذكور آنفا.
(٥) والمراد هو تقدّم حقّ الآدميّ على حقّ الله.
(٦) وجود المعلول بكلّ واحد منهما لا ينافي الاستقلال بل ينافي الانحصار كما مرّ.
(٧) متعلّق بالاستقلال دون الثبوت ، بل الظاهر زيادة كلمة « ثبوت » والمراد هو وجود الاستقلال الفرضي عند الاجتماع.
(٨) أي سمّي التأثير بالاستقلال عند الاجتماع والعدم مجازا.
(٩) التي تقدّمت في ص ٥١٦.