[ المبطل ] الخامس : القلب ، وهو تعليق خلاف الحكم المدّعى في الفرع ـ الذي هو مذهب المستدلّ ـ على علّته ؛ إلحاقا بأصله. وهذا هو قلب العلّة. وهو إمّا قلب لتصحيح المعترض مذهبه ، فيلزم منه بطلان مذهب المعلّل ؛ لتنافيهما. أو قلب لإبطال مذهب المستدلّ صريحا. أو قلب لإبطال مذهبه إلزاما (١).
مثال الأوّل : كما لو قيل : الاعتكاف يشترط فيه الصوم ؛ لأنّه لبث مخصوص ، فلا يكون بمجرّده قربة كالوقوف بعرفة ، فيقول المعترض : لبث مخصوص ، فلا يشترط فيه الصوم ، كالوقوف بعرفة ، فكلّ من القائس والقالب يعرض في دليله لتصحيح مذهبه ، فالقائس أشار بعلّته ـ وهي كونه لبثا مخصوصا ليس بمجرّده قربة ـ إلى اشتراط الصوم في الفرع ، والقالب أشار بتلك العلّة إلى عدم اشتراطه فيه.
فإن قيل : إن كان الحكمان هنا اشتراط الصوم وعدم اشتراطه ـ وهما متناقضان بالذات ـ فلا يجتمعان لا في الأصل ولا في الفرع ، مع أنّ اللازم من تعريف القلب لزوم اجتماعهما في الأصل دون الفرع.
قلنا : إنّ الأمر وإن كان كذلك ، إلاّ أنّ القائس أخذ مكان اشتراط الصوم عدم كونه قربة وجعله جزء العلّة ، وأشار به إلى الحكم الذي هو مذهبه إلزاما (٢) ـ أي اشتراط الصوم ـ نظرا إلى أنّ الاعتكاف لو لم يكن قربة اشترط فيه الصوم ، فكان الحكمان هنا عدم كونه قربة وعدم اشتراط الصوم ، وهما مجتمعان في الأصل ـ أي الوقوف بعرفة ـ متنافيان في الفرع ؛ للإجماع على أنّ الاعتكاف لو لم يكن بنفسه قربة ، كان مشروطا بالصوم.
والمثال الذي وقع فيه التصريح من كلّ منهما لتصحيح مذهبه ، والحكمان فيه مجتمعان في الأصل دون الفرع : ما يقال : طهارة الخبث طهارة تراد للصلاة ، فيجب بالماء ، كطهارة الحدث ، فيقول المعترض : فيجب بغير الماء ، كطهارة الحدث ، فإنّ الوجوب بالماء والوجوب بغيره يجتمعان في طهارة الحدث ، ويتنافيان في طهارة الخبث.
ومثال الثاني : ما يقول الحنفي في مسألة أنّ مسح الرأس يقدّر بالربع : ركن من أركان
__________________
(١ و ٢) في « ب » : « التزاما ».