الوضوء ، فلا يكفي أقلّ ما يطلق عليه الاسم ، فيقول الشافعي : إنّه ركن ، فلا يتقدّر بالربع كالوجه (١). والحكمان ـ أي عدم كفاية أقلّه وعدم التقدّر بالربع ـ لا يتنافيان لذاتيهما ؛ لاجتماعهما في الأصل ، وهو الوجه ، لكنّهما يتنافيان في الفرع ؛ لاتّفاق المعلّل والقالب على نفي غيرهما من الأقسام ، فكلّ منهما يعرض في دليله لإبطال مذهب الخصم صريحا.
ومثال الثالث ما يقال في بيع الغائب : عقد معاوضة فيصحّ مع الجهل بأحد العوضين ، كالنكاح ، فيقول المعترض : فلا يثبت فيه خيار الرؤية ، كالنكاح ، ويلزم من فساد خيار الرؤية فساد البيع عند المستدلّ. والحكمان ـ أي الصحّة وعدم خيار الرؤية ـ اجتمعا في الأصل ـ أي النكاح ـ ولا يمكن أن يجتمعا في الفرع ، أي البيع. والمستدلّ لمّا أخذ الأوّل مذهبا وقاس على الأصل ، فالقالب أشار بالثاني وقياسه عليه إلى بطلان مذهبه ضمنا.
ومن الثالث قلب المساواة ، كما يقال : المكره مالك مكلّف فيقع طلاقه ، كالمختار ، فيقول المعترض : فيسوّى بين إقراره وإيقاعه كالمختار ، والحكمان ـ وهما الإيقاع والإقرار ـ مجتمعان في الأصل باعتقاد الخصمين ، وكلاهما مرتفع من الفرع باعتقاد القالب ، وأحدهما ـ وهو الإيقاع ـ موجود فيه دون الآخر باعتقاد القائس ، ولمّا أثبته فيه قياسا على الأصل ، فقلب عليه القالب لزوم ثبوت الحكمين في الفرع من رأسه ، مع أنّه لم يقل به. هذا.
وقد اختلف في قبول القلب ، فأنكره جماعة (٢) ؛ لأنّ الحكمين إن تنافيا امتنع اجتماعهما في الأصل ، مع أنّه لازم لما شرطناه وهو اتّحاد الأصل. وإن لم يتنافيا ، فيجوز استنادهما إلى علّة واحدة ، كما تقدّم (٣) ، فلا يبطل العلّيّة.
ويدفعه إمكان تنافيهما في الفرع بعرض الاجتماع بدليل من خارج دون الأصل ، كما عرفت (٤).
__________________
(١) حكاه القرطبي في بداية المجتهد ١ : ١٢ ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٤ : ١١٣ و ١١٤.
(٢) منهم : الفخر الرازي في المحصول ٥ : ٢٦٥ ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٤ : ١١٦ ، والعلاّمة في تهذيب الوصول : ٢٦١ ، والأسنوي في نهاية السؤل ٤ : ٢١٠.
(٣) تقدّم في ص ٥٢٠ ـ ٥٢١.
(٤) آنفا.