بالنصّ أو الاستنباط وقطع النظر عن اشتراط عدم شمول دليل علّة حكم الأصل أو علّة اخرى لحكم الفرع ، صحّ القياسان على قواعد العامّة (١) مطلقا ، وعلى قواعدنا (٢) إن ثبت الحكم فيهما بعلّة منصوصة ، أو إيمائيّة معتبرة ، سواء اتّحدا في العلّة أم تغايرا فيها ؛ لأنّ حكم الأصل القريب قد ثبت في الأوّل أصلا ، وفي الثاني فرعا بالنصّ ، أو أحد طرق الاستنباط بعلّة واحدة ، أو علّتين. وتعليل الحكم بعلّتين جائز على الأقوى.
غاية الأمر أنّه في صورة اتّحاد العلّة لمّا ثبت بعلّة منصوصة أو مستنبطة وثبت حكم آخر في محلّ آخر بها ، فتارة قيس غيره عليه ملاحظة لكونه ثابتا بالنصّ أو الاستنباط ، وتارة قيس على الآخر إغماضا عنه.
وفي صورة تغايرها لمّا ثبت بعلّة منصوصة أو مستنبطة ، وثبت حكم آخر بعلّة اخرى موجودة فيه ، فتارة قيس غيره عليه لكونه ثابتا بالنصّ أو الاستنباط ، وتارة قيس على الآخر لوجود علّته فيه ، فهو ليس من المتنازع هنا ؛ لأنّ مرجعه إلى أنّه يمكن إثباته بالقياس باعتبار ، وبغيره باعتبار آخر ، وقد صار حكم الأصل في القياس الأوّل بالاعتبار الأخير.
نعم ، إن لوحظ اشتراط عدم شمول دليل علّة حكم الأصل ، أو علّة اخرى لحكم الفرع ، لم يصحّ القياس الثاني. وأمّا الأوّل ، فيصحّ على كلّ حال. فالمتنازع هنا أن يثبت حكم الأصل القريب في القياس الأوّل لا بالعلّة الاولى ، بل بالعلّة الثانية ، بأن يكون مرجعه إلى ما لم يمكن إثباته إلاّ بالقياس ، سواء اتّحدت أم لا. وحينئذ نقول : الحقّ أنّه لا يجوز كما ذهب إليه الأكثر (٣).
لنا : أنّه لو اتّحد القياسان في العلّة ، فالقياس على الأصل البعيد وذكر القريب عبث ، كما إذا قال المستدلّ : السفرجل ربويّ كالتفّاح بجامع الطعم ، ثمّ يقيس التفّاح على البرّ بهذا الجامع ؛ فإنّ إمكان قياس السفرجل على البرّ أوّلا جعل توسّط التفّاح لغوا. ومنه قياس الوضوء على التيمّم ، والتيمّم على الصلاة في اشتراط النيّة بجامع العبادة.
وإن تغايرا فيها لم ينعقد القياس الأوّل ؛ لأنّ العلّة الاولى لم يثبت اعتبارها بوجه ؛ لأنّ
__________________
(١) راجع : المحصول ٥ : ٣٦٠ ، والإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٢١٥.
(٢) راجع تهذيب الوصول : ٢٦٤.
(٣) منهم : الفخر الرازي في المحصول ٥ : ٣٦٠ ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٢١٦ ، والعلاّمة في تهذيب الوصول : ٢٦٤ ، والأسنوي في نهاية السؤل ٤ : ٣٠٣.