ومنها : صحّة سلب المعنى الحقيقي للّفظ عن المعنى المستعمل فيه ، وعدمها.
فالأوّل علامة المجاز ، والثاني علامة الحقيقة. مثلا إذا قلنا للبليد : إنّه ليس بحمار ، سلب فيه المعنى الحقيقي للحمار عمّا استعمل فيه الحمار أعني البليد ، وهو جائز ، فيعلم منه أنّ استعمال الحمار في البليد مجازيّ.
وإذا قلنا للبليد : إنّه ليس بإنسان ، يكون فيه المعنى الحقيقيّ للإنسان مسلوبا عمّا استعمل فيه لفظ الإنسان أعني البليد ، هذا غير جائز. فيعلم منه أنّ استعمال الإنسان في البليد على سبيل الحقيقة.
واورد عليه : بأنّ صحّة السلب لا يجوز أن يراد بها صحّة سلب بعض المعاني الحقيقيّة ؛ لأنّه غير مفيد ؛ لجواز كون المعنى المستعمل فيه من البعض الذي لا يجوز سلبه ، فيجب أن يراد بها صحّة سلب جميع المعاني الحقيقيّة ، والعلم به موقوف على العلم بأنّ المعنى المستعمل فيه ليس من المعاني الحقيقيّة ، وهو موقوف على العلم بأنّه من المعاني المجازيّة للّفظ ، وهو موقوف على صحّة السلب ، وهو دور مضمر (١).
وفي علامة الحقيقة يلزم دور مصرّح ؛ لأنّ العلم بعدم صحّة سلب المعاني الحقيقيّة عن المعنى المستعمل فيه موقوف على العلم بأنّه بعض المعاني الحقيقيّة للّفظ ، وهو موقوف على عدم صحّة السلب.
والجواب : أنّا نجزم بأنّه يصحّ العلم بأنّ الإنسان ليس شيئا من المعاني الحقيقيّة للأسد وإن لم يحصل العلم بالمجازيّة ، فيمكن العلم بصحّة سلب المعاني الحقيقيّة للإنسان عن الحيوان المفترس مع عدم العلم بالمجازيّة. وكذا نجزم بأنّه يصحّ العلم بعدم صحّة سلب المعاني الحقيقيّة للإنسان عن البليد وإن لم يعلم أنّه حقيقة فيه. نعم ، يستلزمه ، فغاية الأمر الاستلزام لا التوقّف. وهذا العلم إنّما يحصل لنا عرفا ؛ فإنّ الفهم العرفي حاصل بصحّة السلب وعدمها وإن لم يعلم الحقيقة والمجاز ؛ وهو ظاهر.
ثمّ لا يخفى أنّ الشرط المذكور في التبادر آت هنا أيضا ؛ فإنّ صحّة السلب وعدمها عند كلّ قوم أمارتان للمجاز والحقيقة في اصطلاحهم.
__________________
(١) راجع الفوائد الحائريّة : ٣٢٥ ، الفائدة ٣٤.