وهو نظر في نفس الوصف. وهو (١) كما ترى.
إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّ عدم صحّة القياس المذكور عندنا ظاهر ؛ لكون علّته مستنبطة ، وكذا عند العامّة (٢) ؛ لأنّه لمّا استدلّ فيه باتّفاق الطرفين ، وفي الأوّل أظهر الخصم ما يختصّ بالأصل يدّعي أنّ ذلك هو العلّة عنده ، وهو وارد ولا سبيل للمستدلّ إلى دفعه ؛ لأنّه لا يمكنه إقامة الدليل على أنّ علّته هي العلّة عنده. وفي الثاني منع وجود العلّة ، وهو أيضا وارد ، فإذا طريق ثبوت المطلوب في الأوّل إنّما هو اعتراف الخصم بأنّها العلّة ، وفي الثاني اعترافه بأنّها موجودة ، أو إثبات المستدلّ وجودها في الأصل بدليل ينتهض حجّة.
وبما ذكر يظهر أنّ كلّ موضع يستدلّ فيه باتّفاق الخصمين يتأتّى فيه دعوى أنّه ذو قياس مركّب ؛ لأنّ الخصم لا يعجز عن بيان ما يختصّ بالأصل يدّعي أنّه هو العلّة عنده.
ثمّ ما ذكر كلّه إنّما يتأتّى إذا ثبت حكم الأصل بمجرّد اتّفاق الخصمين ، والعلّة بأحد مسالك الاستنباط ، وأمّا إذا ثبت كلاهما بالإجماع أو النصّ ، فالقياس صحيح عند الفريقين (٣) ، إلاّ أنّه ليس قياسا مركّبا. وكذا إن ثبت أحدهما بالإجماع والآخر بالنصّ ، أو الإيماء المعتبر ، أو ثبت أحدهما بأحدهما والآخر باتّفاق الخصمين.
مثال ما ثبت الحكم فيه بالنصّ ، والعلّة بالإيماء : ما يقال في اختلاف المتبايعين عند تلف المبيع : متبايعان تخالفا فيتحالفان ويبرءان ، كما لو كانت باقية ؛ لقوله عليهالسلام : « إذا اختلف المتبايعان فليتحالفا وليبرآ » (٤) ؛ فإنّ الحكم فيه قد ثبت بالنصّ ، والعلّيّة بالإيماء. ولو ثبت الحكم بالنصّ والعلّة بطريق من طرق الاستنباط ، فالحقّ أنّ القياس يصحّ حينئذ على قواعد العامّة (٥) وإن لم يصحّ عندنا ؛ لصحّة إثبات الحكم بالنصّ والعلّيّة بالاستنباط عندهم.
__________________
(١) قاله المطيعي في سلّم الوصول المطبوع مع نهاية السؤل ٤ : ٣٠٨.
(٢) راجع : الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٢١٨ ـ ٢٢١ ، ونهاية السؤل ٤ : ٣٠٤ ـ ٣١١ ، وسلّم الوصول المطبوع مع نهاية السؤل ٤ : ٣٠٤ ـ ٣١١.
(٣) راجع : الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٢٧٧ ، وتهذيب الوصول : ٢٦٥.
(٤) ذكره الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٢٧٠ ولم نعثر عليه في كتب الحديث.
(٥) راجع : المحصول ٥ : ١٣٩ ، والإحكام في أصول الأحكام ٤ : ٥٨.