واعلم أنّ أحد الاحتمالين لو كان ممنوعا والآخر مسلّما ، ولم يوجد المسلّم في الفرع ، كما في المثالين ، فوروده ظاهر ، ولو وجد المسلّم فيه فقيل : لا يرد ؛ لأنّ إبطال أحد احتمالي كلام المستدلّ ليس إبطالا له ؛ إذ لعلّ الآخر مراده. وقيل : يرد ؛ إذ به يتعيّن مراده ، وله مدخل في هدم الدليل والتضيّق (١).
والحقّ : أنّه لو لم يكن فرق بينهما بوجه في إثبات الحكم بهما في الفرع ، لم يرد ، ولو ورد كان استفسارا ، ولو وجد بينهما فرق فيه بحيث لو منع أحدهما لم يمكنه تتميم الدليل بالآخر كان واردا ، ولو كانا مشتركين في المنع أو التسليم لم يرد التقسيم ، سواء كان الموجود في الفرع أحدهما ، أو كليهما ؛ لعدم الفائدة فيه.
والقول بوروده في صورة اشتراكهما في التسليم إذا اختلفا فيما يرد عليهما من القوادح ضعيف ؛ لأنّه لو ورد حينئذ لم يكن تقسيما.
واعلم أنّه على ما ذكر من كون التقسيم منعا بعد ترديد فهو مركّب من الاستفسار والمنع ، فيأتي فيه مجموع ما يأتي فيهما من الأبحاث وكيفيّة الجواب.
الجنس الرابع : ما يتعلّق بالمقدّمة الثانية من مقدّمات القياس
وهي العلّة. وأنواعه ثلاثة عشر :
[ النوع ] الأوّل : منع وجود العلّة في الأصل ، كما إذا قيل في الكلب : حيوان يغسل من ولوغه سبعا ، فلا يطهر جلده بالدباغ كالخنزير ، فمنع وجوب الغسل سبعا من ولوغ الخنزير.
وجوابه : إثباتها فيه بما هو طريق إثباته (٢) من دليل شرعيّ إن كانت شرعيّة ، وعقليّ إن كانت عقليّة ، وحسّيّ إن كانت حسّية. ففي المثال لمّا كانت شرعيّة ، يلزم أن يثبت وجودها بدليل شرعيّ.
النوع الثاني : منع علّيّتها ، وهو سؤال المطالبة ؛ إذ حاصل المنع والمطالبة بالدليل واحد ؛ فإنّه لا فرق بين أن يقال : لا نسلّم أنّ الوصف الفلاني علّة ، أو لم قلت : إنّه علّة؟ وهو
__________________
(١) حكاهما الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٤ : ٨٢ و ٨٣.
(٢) أي إثبات الأصل.