بكونه قتلا عمدا ، فيعارض بكونه بالجارح ، بأن يدّعى أنّ العلّة هي الأوصاف المذكورة ، مع قيد كونه بالجارح.
وقد اختلف الجدليّون في قبول هذه المعارضة. والمختار عند الأكثر قبولها (١).
واحتجّوا عليه بأنّه إذا ظهر ما يصلح للعلّيّة وراء وصف المستدلّ ، فإمّا أن يستند الحكم إليهما معا أو إلى واحد مبهم منهما ، فيبطل تعيّن الإلحاق (٢) بوصف المستدلّ ، فيصحّ المعارضة.
وإمّا إلى واحد معيّن ، فيلزم التحكّم. أو إلى كلّ منهما ، فيلزم جواز تعدّد العلل المستقلّة ، وهو باطل (٣).
وعلى ما أصّلناه ـ من صحّة تعدّد العلل ـ لا يخفى النظر في الشقّ الأخير. ومنه يظهر عدم صحّة هذا الدليل ، و [ صحّة ] دليل الخصم ؛ لأنّه استدلّ بأنّ المفروض استقلال كلّ منهما بالعلّيّة ، فيلزم صحّة تعدّد العلّة ، فيكون وصف التعليل علّة مستقلّة ، ولا يقدح في ذلك علّيّة وصف المعارضة.
والحقّ ، ورود النظر ، إلاّ أنّه لا يستلزم صحّة دليل الخصم وحقّيّة مذهبه ؛ لأنّ اللازم من النظر إليه أنّه يحتمل استقلال كلّ منهما بالعلّيّة ، كما يحتمل جزئيّتهما ، أو كون العلّة أحدهما فقط ، فالحكم بالأوّل تحكّم محض. فعلى هذا يتقابل الدليلان ويندفعان ، فنرجع في إثبات قبول المعارضة إلى ما شاع وذاع من عمل الصحابة والتابعين ومن لحقهم من العلماء والسلف الصالحين. وما يعلمه كلّ أحد أنّ المستدلّ يدّعي خلاف الأصل ؛ لأنّ الأصل انتفاء الأحكام ، فيلزم عليه أن يثبت ما يدّعيه بحيث لا يرد عليه شيء ، ويسدّ عنه أبواب الأنظار الدافعة لدليله قطعا ، والمشكّكة في صحّته ، ولا ريب أنّ إبداء وصف صالح للعلّيّة يوقع الشكّ في علّيّة وصفه (٤) ، فيلزم عليه الجواب عنه.
__________________
(١) حكاه الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٤ : ٩٧.
(٢) أي إلحاق الفرع بالأصل بوجود وصف المستدلّ في الفرع.
(٣) قاله الآمدي ونسبه أيضا إلى القاضي عبد الوهّاب ومتقدّمي أصحابهم ، والصيرفي وإمام الحرمين ( الجويني ) في الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٢٥٨.
(٤) أي وصف المستدلّ.