وجميع ما ذكر إنّما يتأتّى على أصول العامّة (١). وأمّا عندنا ، فلمّا كان طريق العلّيّة منحصرة بالنصّ أو مثله ، فيتعيّن استقلال الوصفين بالعلّيّة ؛ لأنّ وصف المستدلّ لو كان علّيّة (٢) ثابتة بالنصّ ، لا مجال لتوهّم جزئيّته ، وكذا وصف المعترض ، فلا يقبل المعارضة (٣).
واعلم أنّه يتفرّع على قبول المعارضة بحثان :
[ البحث ] الأوّل : هل يشترط فيه أن يبيّن المعترض انتفاء وصفه عن الفرع ، كأن يقول في قياس الزعفران على البرّ في الربوية بجامع الطعم : العلّة القوت وهو منتف في الزعفران.
[ البحث ] الثاني : هل يشترط فيه أن يبيّن تأثير وصفه في أصل آخر ، كأن يقول في المثال : العلّة القوت كما في الملح.
والحقّ ، عدم اشتراطهما فيه ؛ لأنّ غرضه هدم استقلال وصف المستدلّ في العلّيّة ، وصدّه عن التعليل به ، وهو يحصل بمجرّد إبداء وصف صالح لأن يكون علّة أو جزءها ؛ لأنّ احتمال كونه جزءا للعلّة يكفي في عدم تماميّة دليله. ولا يدّعي القطع في إبطال دليل المستدلّ ليحتاج إلى بيان عدمه في الفرع ، ولا علّيّة ما أبداه بالاستقلال حتّى يحتاج إلى ردّه إلى أصل ، وشهادته له بالاعتبار.
نعم ، لو صرّح بعدمه في الفرع وعلّيّته بالاستقلال ، لزمه بيان نفيه عنه ، وردّه إلى أصل ؛ لأنّه التزم أمرا فلزمه بالتزامه ، فيجب عليه الوفاء بما التزمه وإن لم يجب عليه ابتداء ، وإذا ثبت أنّ المعارضة مقبولة ، فالجواب (٤) عنها من وجوه :
منها : منع وجود الوصف المعارض به في الأصل.
ومنها : المطالبة بتأثيره إذا أثبت المستدلّ علّيّة وصفه بالمناسبة أو الشبه ؛ فإنّ المعارضة حينئذ تتمّ بوصف كان مناسبا ، ولو أثبتها بالسبر ، لم يكن له مطالبة التأثير ؛ لأنّ المعارضة يتمّ بمثله وصفه (٥) ، والوصف يدخل في السبر بمجرّد احتمال كونه مناسبا وإن لم يثبت مناسبته.
__________________
(١) راجع الإحكام في أصول الأحكام ٤ : ٩٧.
(٢) كذا في النسختين. والصحيح : « علّيّته ».
(٣) راجع تهذيب الوصول : ٢٦٣.
(٤) بالتأمّل يظهر أنّه لا منافاة بين كون المعارضة مقبولة وكونها مجابة.
(٥) كذا في النسختين. والصحيح : وصفها أي وصف المعارضة.