والحقّ ، عدم جوازه لئلاّ يلزم المنع بعد التسليم ؛ فإنّ منع العلّيّة يستلزم ثبوت الحكم ضمنا ، فإذا منع الحكم ثانيا ، كان مانعا لما سلّمه.
وإن كانت مرتّبة طبعا ـ كمنع حكم الأصل ، ومنع العلّيّة ـ فمنع جمعها أكثر الجدليّين (١) ؛ لأنّ الأخير فيه الإغماض عن الأوّل ، وتسليم ما منع فيه ؛ لأنّه ما لم يسلّم ثبوت حكم لا يطلب علّة ثبوته ، فيتعيّن الأخير سؤالا ، ويلغو الأوّل ويضيع.
والحقّ ، جوازه لأنّ التسليم على التقدير لا نفس الأمر ، فكأنّه قال : لو سلّم الأوّل فالثاني وارد ، فظهر أنّ جمع المرتّبة جائز ، وجمع غيرها غير جائز ، فيجب مراعاة الترتيب الطبيعي ، وهو تقديم الاستفسار ، ثمّ فساد الاعتبار ، ثمّ فساد الوضع ، ثمّ ما يتعلّق بالأصل ، ويلزم فيه تقديم منع حكم الأصل على منع وجود العلّة فيه. ثمّ ما يتعلّق بالعلّة ؛ لاستنباطها منه ، كالمطالبة ، وعدم التأثير ، والقدح في المناسبة والتقسيم ، وكون الوصف غير ظاهر ولا منضبط ، وكونه غير مفض إلى المقصود والنقض والكسر ومعارضة الأصل ، ويجب تأخّر النقض والكسر على ما قبلهما ، وتقديمهما على معارضة الأصل ؛ لأنّهما يذكران لإبطال العلّة ، والمعارضة لإبطال تأثيرها بالاستقلال. ثمّ ما يتعلّق بالفرع ؛ لابتنائه عليهما ، كمنع وجود العلّة فيه ، ومخالفة حكمه لحكم الأصل ، واختلاف الضابط والحكمة ، والمعارضة في الفرع ، والقول بالموجب.
استدراك
قد يستعمل المتأخّرون نوعا من القياس يسمّونه قياس الأصل على الفرع (٢). وهو أن يقال : لو وجد الحكم الفلاني في الفرع يوجد في الأصل ، لكنّه لم يوجد فيه فلا يوجد في الفرع. وبيّن الملازمة بأنّه لو وجد في الفرع لوجد بعلّة كذا ؛ لمناسبتها له ، واقترانه بها ، وهي موجودة في الأصل.
__________________
(١) حكاه الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٤ : ١٢٣.
(٢) قاله الفخر الرازي في المحصول ٥ : ٣٧٥ ، والآمدي في أصول الأحكام ٤ : ٧٩ ، والعلاّمة في تهذيب الوصول : ٢٧٢.