ثمّ إنّ العرفيّة العامّة تقدّم على الخاصّة ، كما أنّ الخاصّة تقدّم على اللغويّة. وهذا التفصيل هو المشهور بين القوم ، بل لم نعثر على مخالف سوى بعض المتأخّرين من الأخباريين ، حيث قال :
|
إنّ المستفاد من أخبارهم عليهمالسلام أنّه مع عدم العلم بما هو المراد من الخطاب الشرعي ، يجب الفحص والتفتيش والسؤال ، ومع العجز عن الظفر بالمراد ، يجب رعاية الاحتياط ، على أنّ العرف العامّ غير منضبط ؛ لاختلاف عرف الناس وعاداتهم ، والعرف الخاصّ مختلف ، فيلزم اختلاف الأحكام الشرعيّة باختلافه (١). |
أقول : تحقيق الحقّ في هذا الأصل يتوقّف على بيان امور :
[ الأمر ] الأوّل : لا شبهة في تقدّم العرف العامّ على اللغة بشرط تحقّقه ؛ لأنّه أعرف عند الناس ، وهم عند الإطلاق لا يفهمون غيره ، والحكيم لا يتكلّم الناس إلاّ بما يفهمونه.
ويدلّ عليه قوله تعالى : ( وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ )(٢) ، وما ورد عن بعض الصادقين عليهماالسلام : « أنّ الله أجلّ من أن يخاطب مع قوم ، ويريد منهم خلاف ما هو بلسانهم وما يفهمونه » (٣).
وبما ذكرنا اندفع ما ذكر هذا البعض من أنّ العرف العامّ غير منضبط ؛ لأنّ كلامنا في العرف الذي كان منضبطا وثابتا.
ويتفرّع عليه : حمل الألفاظ التي لها معان عرفيّة ولغويّة على معانيها العرفيّة ، سواء وقعت في كلام الشارع ، أو في كلامنا في الأيمان والنذور والتعليقات وغيرها ، كحمل الدابّة على الفرس لا على ما يدبّ على الأرض ، وحمل الراوية على المزادة (٤) لا على الجمل الذي يحمل عليه الماء ، وحمل الغائط على الحدث المخصوص لا على المطمئنّ من الأرض.
ويتفرّع عليه أيضا : أنّه إذا حلف أن لا يشرب ماء زيد عن عطش أن يحنث بشرب الماء
__________________
(١) راجع الحدائق الناضرة ١ : ١٢١.
(٢) إبراهيم (١٤) : ٤.
(٣) لم نجده في المجاميع الروائيّة ، ونقله البهبهاني أيضا في الفوائد الحائريّة : ١٠٥.
(٤) « المزادة » : وعاء يحمل فيه الماء في السفر ، كالقربة ونحوها. المعجم الوسيط : ٤٠٩ ، « ز ي د ».