الباب الثالث
في المبادئ الأحكاميّة
فصل [١]
اعلم أنّ الشائع عند القوم تقسيم الحكم إلى الشرعي والوضعي ، وهو يشعر بعدم دخول الثاني تحت الأوّل ، كما صرّح به جماعة (١).
والحقّ أنّ أحكام الوضع كلّها داخلة في أحكام الشرع ؛ لأنّ كون الشيء سببا ـ ككون الوقت سببا لوجوب الصلاة ـ أو شرطا ـ ككون الطهارة شرطا لصحّة الصلاة ـ أو مانعا ـ ككون النجاسة مانعة من صحّتها ـ إنّما هو بجعل الشارع ووضعه.
ولا نعني بالحكم الشرعي إلاّ ما استفيد منه ، فيجب أن يعرّف الحكم الشرعي بحدّ يدخل فيه الحكم الوضعي ، وقد عرّف بتعريفات كثيرة أكثرها لا يخلو عن شيء ، وأصحّها ما ذكره بعض المحقّقين وهو أنّه خطاب الله المتعلّق بأفعال المكلّفين من حيث الاقتضاء ، أو التخيير ، أو الوضع (٢).
ويمكن تصحيح الحدّ بدون القيد الأخير ؛ نظرا إلى دخول الحكم الوضعي في الاقتضاء ؛ لأنّه لا معنى لكون الزنى مثلا سببا للجلد إلاّ وجوبه عنده ، ولا معنى لكون الطهارة شرطا للصلاة إلاّ جواز الدخول فيها عندها وحرمته دونها ، وكذا لا معنى لكون نجاسة المبيع مانعة من بيعه إلاّ حرمة الانتفاع عندها. وقس عليه أمثاله.
__________________
(١) منهم : الفخر الرازي في المحصول ١ : ٩٣ ، والأسنوي في التمهيد : ٤٨ ، والشهيد الثاني في تمهيد القواعد : ٣٤ ، القاعدة ٢.
(٢) قاله ابن الحاجب في منتهى الوصول : ٣٢.