ويظهر من كلام بعض أنّ ترك كلّ مكروه مستحبّ ، كما قال في تمهيد الاصول (١) عند ذكر جواز كون الترك (٢) حكما : إنّ الفقهاء يقولون : يستحبّ ترك كذا وكذا ، إذا كان فعله مكروها (٣).
وهذا الكلام كما ترى يشعر بأنّ ترك كلّ مكروه مستحبّ ، فتأمّل.
وتلخيص إيرادنا على القوم : أنّهم ذكروا أنّ ترك المستحبّ قد يكون مكروها ، وقد لا يكون ، وبالعكس. وكذا في الواجب والحرام ، مع أنّه إن بني معرفة الأحكام على حدودها يلزم كلّية الحكم إمّا إيجابا ؛ بناء على عدم الاعتبار المذكور ، أو سلبا ؛ بناء على وجوده. وإن لم يبن معرفتها عليها ، بل على الأدلّة والقرائن الخارجيّتين ، يلزم كون الحدود مختلّة.
وإن كان بناء القوم على كلّيّة الحكم في البعض دون البعض ، مثل أن يقولوا : يكون ترك كلّ واجب حراما ، وبالعكس ، ولا يقولوا بكون ترك كلّ مستحبّ مكروها ، وبالعكس ، يكون الأمر أشنع ، والاختلال في كلامهم (٤) أظهر ، كما لا يخفى.
فصل [٢]
اعلم أنّه لمّا كان البحث في المبادئ الأحكاميّة عن نفس الحكم ، والحاكم ، والمحكوم فيه ، والمحكوم عليه. ومعرفة الحاكم كانت موقوفة على تحقيق الحسن والقبح حتّى يظهر أنّهما بأيّ معنى شرعيّان حتّى يكون الحاكم فيهما هو الشارع ، وبأيّ معنى عقليّان حتّى يكون الحاكم فيهما هو العقل. وهل التلازم بين الشرعيّين والعقليّين ، حتّى كان الحاكم الشرع والعقل معا؟ جرت عادة القوم هنا بالبحث عن الحسن والقبح ، وكونهما عقليّين أو شرعيّين.
وتنقيح هذا البحث موقوف على بيان امور :
[ الأمر ] الأوّل : الحسن والقبح يطلقان على أربعة معان :
الأوّل : استحقاق المدح والذمّ.
__________________
(١) الظاهر مراده منه هو تمهيد القواعد للشهيد الثاني.
(٢) فيه مسامحة واضحة.
(٣) نسبه الشهيد الثاني إلى أكثر الفقهاء في تمهيد القواعد : ٣٥ ، القاعدة ٢.
(٤) في « ب » : « كلامه ».