واعلم أنّ ما يثبت من الآيات والأخبار هو الحقيقة الشرعيّة فقط ، فإثبات تمام المطلوب (١) بها يتوقّف على الضميمة المذكورة (٢). هذا.
وقد تعلّق بعض من وافقنا بوجوه (٣) اعتباريّة غير تامّة ضعيفة ، لم يكن في ذكرها فائدة.
احتجّ القائل بأنّها للندب بقوله صلىاللهعليهوآله : « إذا أمرتكم بشيء ، فأتوا منه ما استطعتم » (٤) حيث ردّ الإتيان بالمأمور به إلى مشيّتنا ، وهو معنى الندب (٥).
وجوابه : أنّه ردّه إلى استطاعتنا ، وهو معنى الوجوب.
وبأنّ أهل اللغة صرّحوا بأنّه لا فرق بين الأمر والسؤال (٦) إلاّ بالرتبة ، والسؤال إنّما (٧) يدلّ على الندب ، فيلزم أن يكون الأمر أيضا كذلك ، وإلاّ لكان بينهما فرق آخر (٨).
والجواب : منع وقوع التصريح المذكور عنهم ، بل صرّح بعضهم بخلافه (٩). ولا يمكن أن يقال : الفرق بالوجوب والندب متفرّع على الفرق الأوّل ؛ إذ دلالة قول أحد على الإيجاب لا تتوقّف على تفوّقه على المأمور علوّا أو استعلاء ، ولذا أجاب بعضهم بأنّ السؤال للإيجاب من طرف السائل وإن لم يتحقّق من طرف المسئول (١٠).
واحتجّ القائل بالاشتراك بينهما بأنّ الصيغة اطلقت عليهما ، والأصل في الإطلاق الحقيقة (١١).
وجوابه : منع أصالة الحقيقة في الإطلاق ، كما عرفت (١٢) مرارا ، وأولويّة المجاز على الاشتراك إذا تعارضا.
__________________
(١) وهو كون الأمر للوجوب في العرف واللغة أيضا.
(٢) والمراد بها هنا أصالة عدم النقل.
(٣) راجع الإحكام في أصول الأحكام للآمدي ٢ : ١٦٤ ـ ١٧٣.
(٤) مسند أحمد ٢ : ٤٨٨ ، ح ٧٣٢٠ ، وصحيح مسلم ٢ : ٩٧٥ ، ح ٤١٢ / ١٣٣٧ ، وعوالي اللآلئ ٤ : ٥٨ ، ح ٢٠٨.
(٥) حكاه الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٢ : ١٧٣.
(٦) والمراد بالسؤال هو الأمر من ناحية الداني.
(٧) في « ب » : « ممّا ».
(٨) حكاه الفخر الرازي في المحصول ٢ : ٩٥ ، والأسنوي عن أبي هاشم في نهاية السؤل ٢ : ٢٦٢.
(٩) قاله الرازي في المحصول ٢ : ٩٦.
(١٠) قاله الأسنوي في نهاية السؤل ٢ : ٢٦٦ ، والمطيعي في سلّم الوصول ، المطبوع مع نهاية السؤل ٢ : ٢٦٦.
(١١) قاله السيّد المرتضى في الذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ٥٢.
(١٢) تقدّم في ص ٥٩٥.