ومنها : قوله تعالى : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ )(١) مع ما دلّ على ذمّ ترك الطاعة ، كقوله : ( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً )(٢) حيث دلّ الأوّل على أنّ امتثال مطلق الأمر طاعة ، والثاني على أنّ ترك الطاعة مذموم ، فثبت منهما وجوب امتثال الأمر ، والتولّي يتناول مجرّد الترك أيضا ، فيدلّ على الذمّ عليه وإن لم يكن استخفافا وجحودا.
فلا يرد أنّ الذمّ لأجل التولّي ، وهو الترك جحودا واستكبارا.
نعم ، يرد عليه أنّ ترك مطلق الطاعة ليس مذموما كما تقدّم (٣) ، فالذمّ هنا على ترك الطاعة المفترضة.
ومنها : قوله عليهالسلام : « لو لا أن أشقّ على امّتي ، لأمرتهم بالسواك » (٤) نفى الأمر ؛ لاقتضائه المشقّة مع ثبوت الندبيّة ، فيدلّ بوجهين (٥) على أنّ الأمر للوجوب.
ومنها : قوله عليهالسلام لبريرة ـ وقد عتقت وزوجها عبد ففارقته ـ : « راجعيه » فقالت : أتأمرني بذلك؟ فقال : « لا ، إنّما أنا شافع » (٦) نفى الأمر وأثبت الندب بإثبات الشفاعة ؛ فإنّه لا ريب في استحباب قبول شفاعة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلا يكون المندوب مأمورا به (٧).
ومنها : احتجاجه عليهالسلام لذمّ أبي سعيد الخدري على ترك استجابته حين دعاه وهو يصلّي بقوله تعالى : ( اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ )(٨) فلو لم يكن الأمر للوجوب ، لما توجّه الذمّ (٩).
وقد اعترض على الروايات بوجوه ظاهرة الدفع ، بيّنة الوهن ، فلم نر جدوى في التعرّض لنقلها وردّها (١٠).
__________________
(١) النساء (٤) : ٥٩.
(٢) النساء (٤) : ٨٠.
(٣) تقدّم آنفا.
(٤) راجع : الكافي ٣ : ٢٢ ، باب السواك ، ح ١ ، وفيض القدير ٥ : ٣٣٨ و ٣٣٩ ، ح ٧٥٠٥ و ٧٥٠٨.
(٥) وهما نفي الأمر وثبوت الندب.
(٦) كنز العمّال ١٦ : ٥٤٧ ، ح ٤٥٨٣٨.
(٧) ينتج أنّ المأمور به هو الواجب أو الواجب هو المأمور به.
(٨) الأنفال (٨) : ٢٤.
(٩) ذكره الفخر الرازي في المحصول ٢ : ٦٣. والحديث في كنز العمّال ٢ : ٦ ، ح ٢٩٠٠ ، ونسب الذمّ إلى ابيّ.
(١٠) راجع الإحكام في أصول الأحكام للآمدي ٢ : ١٦٤ ـ ١٧٣.