ومنها : قوله تعالى : ( وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ )(١) نفى عنهم التخيير بعد توجّه الأمر عليهم ، فيبقى إمّا الوجوب أو الحظر. والثاني باطل إجماعا ، فتعيّن الأوّل (٢).
وأنت خبير بأنّ قضاء الأمر إلزامه ، لا مجرّد توجّهه ، فلا يثبت منه المطلوب.
ومنها : أنّ تارك المأمور به عاص ؛ لقوله تعالى : ( أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي )(٣) ، وقوله : ( لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ )(٤) ، وكلّ عاص يستحقّ النار ؛ لقوله تعالى : ( وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً )(٥) ، (٦).
واعترض عليه بوجهين (٧) :
أحدهما : أنّه لو كان العصيان ترك الأمر ، لتكرّر قوله تعالى : ( وَيَفْعَلُونَ )(٨).
وثانيهما : أنّ المراد من ( مَنْ يَعْصِ اللهَ ) الكفّار دون تارك الأمر بقرينة الخلود.
والجواب عن الأوّل : أنّ الأوّل للنفي في الماضي أو الحال ، والثاني للإثبات في المستقبل.
وعن الثاني : أنّ الخلود ، المكث الطويل. هذا.
وتعليل الصغرى بأنّ امتثال الأمر طاعة ؛ إذ الطاعة الانقياد ـ كما صرّح به أهل اللغة (٩) ـ وترك الطاعة عصيان ؛ لتصريحهم بأنّ العصيان خلاف الطاعة (١٠) يرد عليه أنّ كلّ عصيان خلاف الطاعة ، ولا ينعكس كلّيّا ؛ لأنّ امتثال المندوب طاعة وليس تركه عصيانا ، فترك الطاعة الواجبة عصيان دون المندوبة.
__________________
(١) الأحزاب (٣٣) : ٣٦.
(٢) حكاه الفخر الرازي في المحصول ٢ : ٥٨ و ٥٩.
(٣) طه (٢٠) : ٩٣.
(٤) التحريم (٦٦) : ٦.
(٥) الجنّ (٧٢) : ٢٣.
(٦) حكاه الفخر الرازي في المحصول ٢ : ٥٨ و ٥٩.
(٧) المصدر.
(٨) أي ويفعلون ما يؤمرون. ووجه التكرار أنّ عدم عصيان الأمر وفعل المأمور به أمر واحد.
(٩) راجع المصباح المنير : ٣٨٠ ، « ط وع ».
(١٠) المصدر : ٤١٤ ، « ع ص ى ».