هذا علم كل مجتهد فيه مصيب ـ المعتزلة من المصوّبة كما هو معلوم ـ وأنا فى الحنفية ، فكن أنت فى أصحاب الشافعى ، قال الحاكم : « فكان بلغ فى الفقه مبلغا عظيما ، وله اختيارات » (١) لكنه ما لبث أن وفر أيامه على الكلام دون الفقه ، وكان يقول فى ذلك : للفقه أقوام يقومون به طلبا لأسباب الدنيا ، وعلم الكلام لا عرض فيه سوى الله تعالى (٢).
قرأ الكلام مدة على أبى إسحاق بن عياش (٣) ، ثم رحل الى بغداد وأقام عند الشيخ أبى عبد الله مدة مديدة « حتى فاق الأقران وخرج فريد دهره » كما يقول الحاكم.
__________________
ـ الكرخى ولازمه الزمان الطويل. وقد جرت عادة القاضى على وصفه بالشيخ المرشد أبى عبد الله.
توفى رحمهالله سنة سبع وستين وثلاثمائة. انظر شرح عيون المسائل : ١ / ورقة ١٢٥ ـ ١٢٦ ، وطبقات المعتزلة ، ص : ١٠٥ ـ ١٠٧.
(١) شرح عيون المسائل ـ المصدر السالف ـ ١ / ١٢٩.
(٢) المصدر السابق ، نفس الورقة ، وانظر طبقات المعتزلة ص ١١٢ طبع بيروت.
(٣) هو إبراهيم بن عياش البصرى ، من رجال الطبقة العاشرة. قال القاضى : ( وهو الذى درسنا عليه أولا ، وهو من الورع والزهد والعلم على حظ عظيم. وكان مع لقائه لأبى هاشم استكثر من أبى على بن خلاد. ثم من الشيخ أبى عبد الله ، ثم انفرد ) شرح العيون ١ / ورقة ١٢٦.
وبذلك يكون القاضى قد أخذ ممن قرأ على أبى هاشم الجبائى ( ت ٣٢١ ) ، والواقع أن نظرة واحدة فى كتب القاضى ـ وبخاصة المغنى ـ توضح مدى عنايته الكبيرة بآراء أبى هاشم وآراء أبيه أبى على ( ت ٣٠٣ ) وهو يقول عن كل منهما : شيخنا فلان : حيثما نقل عنهما أو استشهد بهما. وغالبا ما يفعل ذلك فى كل صفحة من صفحات المغنى وسائر كتبه تقريبا. حتى ليعد أكبر أنصار المدرسة الجبائية وعمدها ، فوق أنه لسانها وقلمها. وإذا كان الانتصار الأخير ـ أو الانتشار ـ كتب فى المعتزلة لآراء أبى هاشم ـ كما يذكر مؤرخو الفرق ـ فإن الفضل فى ذلك يعود بدرجة كبيرة إلى القاضى عبد الجبار ، الذى تبنى آراء أبى هاشم بخاصة ، وآراء المدرسة الجبائية بعامة ، ودافع عنها ، وخلدها فى إملاءاته الكثيرة.