وبعد ، فإن اللغة وإن وقعت محتملة فإنها تتفاوت ؛ ففيها ما بنى للاحتمال ووضع له ، وفيها ما ظاهره يدل على أمر واحد وإن جاز صرفه إلى غيره بالدليل ثم يختلف ذلك ؛ ففيه (١) ما يكون صرفه لما يصرف إليه فى طريقة (٢) اللغة مستبعدا ، وفيه ما يكون سهلا معروفا ، ولذلك قلنا إن المتكلم قد يكون مناقضا فى كلامه ومحيلا ، ولو كان الأمر على ما قاله (٣) السائل لم يصح إثبات مناقضته فى الكلام ولا إحالة فيه. فاذا صح ذلك وكان للمحكم فى ظاهره المزية على المتشابه بأحد الأمرين اللذين ذكرناهما ، فيجب فساد القول بأنه لا مزية لأحدهما على الآخر على ما أصلناه.
٤ ـ مسألة : فإن سأل فقال : إنكم بنيتم جميع ما تقدم : فى دلالة القرآن على ما يدل عليه ؛ وفى الفرق بين المحكم والمتشابه (٤) على أن القرآن من فعله عز وجل فقلتم : إن من حق الفعل إذا لم تعلم صحته ولا وجه دلالته إلا بعد معرفة الفاعل أن لا يمكن أن يعرف به الفاعل وأنه حكيم ، وهذا إنما يصح متى لم يقل المخالف فى القرآن إنه من صفات ذاته ، وأنه تعالى صادق لنفسه ، فما الذى يبطل هذا القول ليتم لكم ما قلتموه؟!
قيل له : إن من حق المذهب أن يبنى على الأصول الصحيحة وإن لم يوافق الخصم عليها ، وقد ثبت أن الكلام فعل ، لأنه محدث على وجه مخصوص ، كما تثبت مثله فى الإحسان والإنعام ، ولا وجه للاعتراض على ما قلناه بقول الخصم!
وبعد ، فان أحدا ممن يعقل الخلاف لا يقول فى القرآن الذى يتلى ويسمع إنه
__________________
(١) فى د : فيه
(٢) فى د : طريق.
(٣) د : ما قال
(٤) فى النسختين : ومتشابهه