من صفات ذاته تعالى ، « وإن من (١) يثبت ما يخالف هذا الكلام (٢) فيزعم أنه من صفات الذات ، فقد وافق فى أن القرآن الذى صفته ما ذكرناه (٣) من أفعاله عز وجل ، فالذى أصّلناه فيه صحيح.
وبعد ، فان الذى قالوه لو ثبت لأوجب صحة ما قلناه ، لأن صفات الذات لا يصح أن تدل إلا بعد أن يعرف الموصوف ، ويعلم كيف يستحق هذه الصفات
__________________
(١) فى النسختين. وإنما.
(٢) المراد بالمثبت القائل ، كما يقال. فلان يثبت كذا وفلان يقول بكذا. وليس المراد من يقيم الدليل على ما ذهب إليه.
(٣) أى الذى يتلى ويسمع. وفى قوله : (وإن من يثبت ما يخالف ... الخ إشارة إلى ما ذهب إليه عبد الله بن كلاب ومن تابعه ـ ومنهم على ما يقال أبو الحسن الأشعرى الذى اشتهر نسبه هذا الرأى إليه ـ فى التفريق بين نوعين من الكلام : أحدهما : نفسي وهو القائم بالذات. أو هو صفة ذاتية قديمة. والثانى هو المقروء المكتوب المؤلف من الحروف والكلمات أو : الذى يتلى ويسمع كما عبر عنه القاضي وهذا فعل وليس بصفة أزلية ، قال ابن حجر : (وقالت الكلابية : الكلام صفة واحدة قديمة العين ، لازمة لذات الله كالحياة ، وأنه لا يتكلم بمشيئته وقدرته ، وتكليمه لمن كلمه إنما هو خلق إدراك له يسمع به الكلام) ثم قال : (وأخذ بقول ابن كلاب : القابسي والأشعرى وأتباعهما وقالوا : إذا كان الكلام قديما لعينه لازما لذات الرب ، وثبت أنه ليس بمخلوق : فالحروف ليست قديمة لأنها متعاقبة. وما كان مسبوقا بغيره لم يكن قديما ، والكلام القديم معنى قائم بالذات لا يتعدد ولا يتجزأ ، بل هو معنى واحد).
انظر فتح البارى : ١٣ / ٣٨٨
والمؤلف يلزم المخالف بهذا الاعتبار ، بغض النظر عن رفض المعتزلة لهذا التقسيم ليصح له ما أصل فى الاستدلال من أن القرآن مخلوق ، وأنه من فعله عز وجل.
انظر : شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار : ٥٢٧ فما بعدها. الفصل لابن حزم ٣ / ٤ الملل والنحل للشهرستانى ( بهامش الفصل ) : ١ / ١٢٣.
وانظر فى تحقيق ما ذهب إليه الامام الأشعرى فى الموضوع : مقدمة فى نقد مدارس علم الكلام ، التى صدر بها الأستاذ الدكتور محمود قاسم كتاب : مناهج الأدلة لابن رشد لطبعة الثانية. ص ٦٦. وقارن ما قاله القاضي هنا فى وصف القرآن : ( الذى يتلى ويسمع ) وما رمي به الأشعرى المعتزلة من تدليس الكفر لقولهم بخلق القرآن ، اعتمادا على أنهم يقولون فيه : كلام ملفوظ به!!
أنظر الابانة ، الطبعة المنيرية بالقاهرة ، ص ٣٠