كذلك المتشابه ، لأنه وإن كان من العلماء باللغة ويحمل القرائن (١) ، فإنه يحتاج عند سماعه إلى فكر مبتدأ ونظر مجدّد ليحمله على الوجه الذى يطابق المحكم أو دليل العقل.
ويبين صحة ذلك أنه عز وجل بين فى المحكم أنه أصل للمتشابه ، فلا بد أن يكون العلم بالمحكم أسبق ليصح جعله أصلا له ، ولا يتم ذلك إلا على ما قلناه.
فأما إذا كان المحكم والمتشابه واردين فى التوحيد والعدل فلا (٢) بد من بنائهما على أدلة العقول ، لأنه لا يصح ممن لم يعلم أنه جل وعز واحد حكيم لا يختار فعل القبيح ، أن يستدل على أنه جل وعز بهذه الصفة بكلامه.
فالمحكم فى هذا الوجه كالمتشابه ، وإنما يختلفان فى طريقة أخرى ، وهى أن المخالفين فى التوحيد والعدل يمكن أن نحاجهم بذكر المحكم ونبين مخالفتهم لما أقروا بصحته فى الجملة ، ويبعد ذلك فى المتشابه ، فلذلك نجد كتب مشايخنا رحمهمالله مشحونة « بذكر هذا (٣) الباب ليبينوا أن القوم كما خرجوا عن طريقة العقول ، فكذلك (٤) عن الكتاب. فأما أن يمكن أن نبين للجاهل بالله تعالى وبحكمته أن الله عز وجل لا يختار فعل القبيح وأنه لا يشبه الأعراض والأجسام ، والقرآن محكمه ومتشابهه ، فذلك مما لا يصح ؛ على ما قدمنا.
ولهذه الجملة يجب ان يرتب المحكم والمتشابه جميعا على أدلة العقول ، ويحكم بأن ما لا يحتمل إلا ما تقتضيه هذه الجملة يجب أن يثبت محكما ؛ وما احتمل هذا
__________________
(١) أى ويعلم القرائن وهو السامع العالم باللغة وربما عاد الكلام إلى المتشابه.
(٢) فى الأصل : ولا. وجاءت الواو محل الفاء وفى الكتاب فى مواضع كثيرة.
(٣) والأصل : ان نذكر فى هنا.
(٤) فى الأصل : وكذلك.