الوجه وخلافه فهو المتشابه ، فأقوى ما يعلم به الفرق بين المحكم والمتشابه ادلة العقول ؛ وإن كان ربما يقوى ذلك بما يتقدم المتشابه أو يتأخر عنه ، لأنه هو الذى يبين أن المراد به ما يقتضيه المحكم ، ومما يبين ذلك أن موضوع اللغة يقتضي أنه لا كلمة فى مواضعتها إلا وهى تحتمل غير (١) ما وضعت له ، فلو لم يرجع إلى أمر لا يحتمل لم يصح التفرقة بين المحكم والمتشابه.
٣ ـ مسألة : فان سأل فقال : إن كان المحكم فى اللغة العربية كالمتشابه. وقد قلتم إن من حق هذه اللغة أن يصح فيها الاحتمال ويسوع فيها التأويل ، فبما ذا يعلم المحكم متميزا من المتشابه فى الوجه الذى بينتم أنه لا بد من أن يكون له مزية فيه؟
وبعد ، فاذا كان الناس قد تنازعوا فى المحكم والمتشابه ؛ كما اختلفوا فى نفس المذهب ـ لأن ما يعده المشبّه محكما عند الموحّد من المتشابه ، وما يعده « الموحّد محكما (٢) عند المشبّه بخلافه ، وكذلك (٣) القول فيمن يعتقد الجبر وفيمن يقول بالعدل ، وهذه الطريقة معروفة من حالهم عند المناظرة والمباحثة ـ فيحب أن لا يصح أن يميز أحدهما من الآخر إلا بأن يرجع فيه إلى محكم آخر ، والقول فيه كالقول فيما يتنازعه ، أو بأن يرجع فيه إلى أدلة العقول ، وفى ذلك إسقاط التعلق بالمحكم وإثبات مزيته على المتشابه!
قيل له : إنا قد بينا أن الذى أوردته هو الذى يلجئ إلى الرجوع إلى أدلة العقول فيما يتصل الخلاف فيه بالعدل والتوحيد ، وقد بينا صحة ذلك لأنا قد
__________________
(١) فى الأصل عبر
(٢) فى الأصل هو محكم.
(٣) فى الأصل : فكذلك.