والجواب عن الأوّل (١) : أنَّا نختار أن الإمام لطف لا يقوم غيره مقامه ، كالمعرفة بالله تعالىٰ ؛ فإنّها لا يقوم غيرها مقامها ، والدليل علىٰ ماقلناه أنّ العقلاء في سائر البلدان والأزمان يلتجون في دفع المفاسد إلىٰ نصب الرؤساء دون غيره ، ولو كان له بدلٌ لالتجؤوا إليه في وقت من الاوقات أو بلدٍ من البلدان.
وعن الثاني (٢) : أنّ وجوه القبح والمفاسد معلومةٌ محصورةٌ لنا ، وذلك لأنّا مكلّفون باجتنابها ، والتكليف بالشيء من دون العلم به محال ، وإلاّ لزم تكليف ما لايطاق ، ولاشيءَ من تلك المفاسد موجودةٌ في الإمامة.
وفي هذا الجواب نظرٌ (٣) : فإنّه إنما يصلح جواباً لمن قال بوجوبها علىٰ الخلق « كأبي الحسين » (٤) ، لا لمن قال بوجوبها على الله تعالىٰ كأصحابنا ، فإنّه إنّما يجب عليه تعالىٰ أن يعرِّفنا المفاسد إذا كانت من أفعالنا أو من لوازم _______________________
١) وهو الإشكال علىٰ « لطفيّة الإمامة » بأنّها لا تجب إذ أن غيرها يمكن أن يقوم مقامها.
٢) وهو الإشكال بـ : « لم لا يجوز استعمال الامامة علىٰ وجه قبح لا يعلمونه ».
٣) هذا النظر للسيّوري شارح متن « نهج المسترشدين ».
٤) أبوالحسين عبدالرحيم بن محمد بن عثمان الخيّاط ( م ـ ٣١١ ) شيخ المعتزلة البغداديّين من نظراء الجُبّائي ، كان من بحور العلم ، ترجم له « القاضي عبدالجبّار » في « فضل الاعتزال » وقال : « كان عالماً فاضلاً من أصحاب جعفر [ بن مبشر الثقفي المتكلم ] وله كتب كثيرة في النقوض على ابن الراوندي وغيره ، من أشهر كتبه « الانتصار » ردّ فيه على كتاب « فضيحة المعتزلة » لابن الراوندي ، وله آراء شنيعة في حق الشيعة. انظر ترجمته في : سير أعلام النبلاء : ١٤ / ٢٢٠ ، الأعلام : ٣ / ٣٤٧ ، بحوث في الملل والنحل : ٣ / ٢٨٤.