نقل لنا في « قصص العلماء » عن العالم الثقة السيّد عبد الكريم بن السيّد زين العابدين اللاهيجي ـ ما ترجمته ـ أنّه قال : كان أبي يقول : كنّا حين تحصيلنا للعلوم الدينيّة في العتبات المقدّسة في أواخر زمان المرحوم البهبهاني رحمهالله ، وكان ( الآقا ) بسبب شيخوخته وكبر سنّه قد استعفى من التدريس لما كان ينتابه من الفتور والضعف ، فكان تلامذته يدرسون وكان ( للآقا ) مجلس درس يدرّس فيه « شرح اللمعة » في السطوح ، وكنا عدّة أشخاص نتشرّف ، تيمّنا وتبرّكا بحضور درسه ، وصادف أن احتلمت في المنام يوما ممّا سبّب أن تفوتني صلاة الصبح ، فحلّ وقت درس ( الآقا ) ، فقلت في نفسي : أبادر بحضور الدرس كي لا يفوتني ثمَّ أذهب للاغتسال في الحمّام ، فحضرت مجلس الدرس قبل أن يشرّفه شيخنا الأستاد ، وبعد أن حلّ فيه نظر ببشر وابتهاج إلى أطراف المجلس ، وفجأة ظهرت عليه آثار الهمّ والغمّ وتغيّر وجهه الشريف ثمَّ قال : اليوم قد عطّل الدرس اذهبوا إلى بيوتكم ، فقام التلاميذ واحدا واحدا وغادروا مجلس الدرس ، وعندما أردت القيام قال لي ( الآقا ) : اجلس ، فجلست ، وحيث فرغ المجلس قال لي : إنّ تحت البساط الّذي أنت جالس عليه مقدارا من المال خذه واذهب واغتسل ولا تحضر بعد هذا في أمثال هذه المجالس وأنت مجنب ، فأخذت المال متعجّبا وذهبت إلى الحمّام واغتسلت (١).
ومن الواضح ، أنّ أمثال هذه التوفيقات لا تتأتّى هيّنا ، ولا تحصل لأحد جزافا ، إذ هو يقول ـ كما سلف ـ (. لا أحسب نفسي شيئا أبدا. ) ، والّذي يثبت هذه الدعوى تركه لمنصب التدريس والإفتاء في أواخر عمره وإيكاله إلى تلامذته.
والمعروف ، أنّه كان يتقبّل أحيانا الأجرة على العبادات كالصلاة والصوم ، ويؤدّيها ويدفع الأجرة إلى بعض تلامذته ، ليدفع عنهم العسرة ويفرّغهم للدراسة والتسلّح بسلاح العلم للدفاع عن حياض الدين.
__________________
(١) قصص العلماء : ٢٠١.