بسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله المنتجبين الطاهرين.
إنّ الّذي يغنينا عن الحديث وبأسهاب حول ما للفقه من ضرورة وعظمة هو المنطق الإلهي والوحي الرباني الغارس جذور الوجوب الكفائي لعلم الفقه ، حيث يقول عزّ من قائل ( وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) (١).
ونحن إذ نجد كلمة الفقه ـ ومع غضّ النظر عن المعنى اللغوي لمفهومها ـ استعملت في معنى فهم جميع أحكام الدين أعمّ من الأمور الاعتقادية ، أو الأحكام العمليّة ، وهذا بديهي لا نرى ضرورة للاستدلال لذلك ، إذ أنّ القوم كانوا يصدّرون كتبهم الفقهية بمباحث اعتقادية ومطالب كلامية ، ومع هذا تدرج مؤلّفاتهم ضمن المجاميع الفقهية. وهذه ليست خاصة بأصحابنا رضوان الله عليهم ، ومن هنا نجد أمثال أبي حنيفة يعطي لكتابة الاعتقادي اسم « الفقه الأكبر » كي يوحي شموليّة هذا الاسم للأعم.
إلّا أنّا عند ما نواكب السير مع هذه اللفظة نجدها ـ كأكثر المصطلحات العلمية ـ تلبست تدريجا بلباس أخص ممّا كانت عليه ، فأصبحت تعطي ـ كلمة الفقه ـ خصوص العلم بالأحكام العمليّة الإلهيّة. بعد أن كانت تحمل معنا بسيطا وواضحا وسهل التناول إبّان صدورها عند إطلاقها ، كما تراها في قوله صلوات الله عليه :
__________________
(١) التوبة (٩) : ١٢٢.