« أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا .. » (١) ممّا كان يمنح الراوي عند دركه لمضمون كلام المعصوم عليهالسلام عنوان فقيه. أصبحت اليوم تطلق على من يغوص في بحار العلوم النقليّة ، ويسلك سبيل الاجتهاد الّذي أخذ فيه الجدّ والعناء ، حتّى أنّه ينقل عن المحقّق العراقي رحمهالله أنّه قد عدّ الاجتهاد في الفقه بمثابة قلع الجبال بالابر والمسامير.
وعليه ، فإنّ الفقه والتفقّه في الدّين حاز مقام رفيع إلهي وعناية ربانية ألبسه الشارع المقدّس لباس الوجوب ، وأسبغ عليه المعصوم عليهالسلام ـ ببيانه الرائع ـ معنى أخلاقي رفيع ، إذ قال : « ليت السياط على رؤوس أصحابي حتّى يتفقّهوا في الحلال والحرام » (٢).
بل عدّ الكمال الإنساني في الفقاهة والفهم ، إذ قال سلام الله عليه : « الكمال كلّ الكمال التفقّه في الدين .. » (٣).
حتّى أنّ الوصول إلى ذاك المقام الرفيع عدّ علامة العناية الخاصة الإلهية لمن يتلبس بها ، إذ قال عليهالسلام : « إذ أراد الله بعبد خيرا فقّهه في الدين » (٤). وبذا استحق عند فقده أن تندبه ملائكة السماء وسكّان الأرض ، إذ قال عليهالسلام : « إذا مات المؤمن بكت عليه الملائكة ، وبقاع الأرض الّتي كان يعبد الله تعالى عليها ، وأبواب السماء الّتي كان يصعد فيها بأعماله ، وثلم في الإسلام ثلمة لا يسدّها شيء : لأنّ المؤمنين الفقهاء حصون » (٥).
__________________
(١) معاني الأخبار : ١ الحديث ١ ، وأورده في بحار الأنوار : ٢ / ١٨٣ الحديث ٣.
(٢) المحاسن : ١ / ٣٥٨ الحديث ٧٦٥ ، وعنه في بحار الأنوار : ١ / ٢١٣ الحديث ١٢.
(٣) تحف العقول : ٢٩٢ ، ونص عليه في بحار الأنوار : ٧٥ / ١٧٢ الحديث ٣.
(٤) أمالي المفيد : ١٥٧ الحديث ٩ ، وحكاه عنه في بحار الأنوار : ١ / ٢١٧ الحديث ٣٣.
(٥) الكافي : ١ / ٣٨ الحديث ٣.