وغير خفي أنّ الحديث عن ضرورة هذا العلم وتقييمه. وما لسالكه من عظمة. وما خصّته السماء من تكريم و .. كلّ هذا ممّا ينوء عن ذكره سيرنا في مقدمة هذا الكتاب ، وما كان قصدنا ممّا أدرجناه إلّا التبرّك بذكر جملة من الآيات والروايات فيه.
والحقّ ، أنّ ما تحمّله فقهاؤنا العظام رضوان الله تعالى عليهم على مدّ التاريخ من مشاقّ وصعوبات كانت تحيط بهم وتحاصرهم سواء ما كان منها شخصيا أو نوعيا ، كلّ ذلك لحفظ هذه الأمانة الإلهية الّتي تنوء عن حملها الجبال الرواسي ، فهم كشيخ الطائفة رحمهالله ـ مثلا ـ ما بين مبعّد عن وطنه متحملا لأنواع البلاء حارما نفسه من متع الدنيا ولذّاتها. إلى من يسوقه هذا الهدف المقدس ـ كأمثال الشهيدين رحمهماالله ـ إلى منصّة الإعدام ، كي تكون دمائهم الطاهرة منارا على مدّ التاريخ حفظا لهذه الوديعة الإلهية ، فكان أن تلقفتها الأيدي الطاهرة إلى الصدور المطهّرة نسلا بعد نسل ، حتّى وصلت في أواخر القرن الثاني عشر فألقيت على عاتق العلّامة المجدد الوحيد البهبهاني رحمهالله ، إذ قام هذا الرجل العظيم ـ كما سيأتينا ذلك ـ بحمل هذه الرسالة الخطيرة بعد أن جلّاها عمّا حاول أن يعلق بها من دنس وزيغ ، وطهّرها ممّا كاد يعلق بها ما يمحو جوهر الأحكام الإلهيّة منها ، فهو بعد أن ألبسها حلّتها الرائعة بما لها من عمق ومصداقية. وما لهذه الرسالة من ادّعاء أمام الموج الكاسح للقوانين الوضعية المعاصرة.
فكان وليد هذه المساعي الحميدة من هذه العطيّة الإلهيّة على الشيعة الاثني عشرية أن صنّف لهم رسائل فقهيّة في مواضع متفرّقة أملتها الظروف الحاكمة والحاجة الملحّة الّتي كان يلمسها شيخنا العظيم خلال مواجهته مع الأحداث ممّا كان يملي عليه ، مع حرصه على تنزيه المباني الأصيلة من القشريّة والسطحية مع ما أسبغ عليها من مسلكه الّذي عرف به من العمق والتتبع في الأدلّة الشرعيّة لغرس روح